رباب طلعت
منذ أن طلت مجموعة القنوات الإقليمية، في شكلها الجديد، كـ”شبكة تلفزيون المحروسة”، في الأول من يونيو 2011، منتقلة من البث الأرضي، إلى القمر الصناعي المصري “نايل سات”، لتصبح واجهة إعلامية لمصر، كما صرح وقتها صلاح الدين مصطفى، رئيس قطاع القنوات الإقليمية باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهي لم تلقَ إقبالًا جماهيريًا كنظيراتها، من شبكات القنوات الخاصة، لعدد من الأسباب التي يرصدها “إعلام دوت أورج“.
تضم شبكة قنوات المحروسة 6 قنوات، أولهم “القاهرة”، أو كما عُرفت على التلفزيون الأرضي بـ”القناة الثالثة”، التي بدأ بثها عام 1985، من مقر التلفزيون بالعاصمة، لخدمة محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة، والجيزة، والقليوبية).
قوس قزح أبيض وأسود
بالرغم من اختيار شبكة قنوات المحروسة، لقوس قزح كـ”لوجو” لقنواتها، ومنها قناة “القاهرة”، كدلالة على تنوع المحتوى، إلا أن القناة تقع فريسة التكرار في برامجها، للدرجة التي تصادف فيها أحيانًا أن ثلاثة برامج منهم ناقشوا في يوم واحد مشكلة “التعليم المهني”! وفي يوم آخر أصبح اهتمام القناة منصبًا على معارض، وملتقى توظيف، ومؤتمرات جامعة القاهرة، وكأن إعداد البرامج “بيحضروا مع بعض”.
ليس هذا وحسب وجه التكرار الواحد في القناة، فبالرغم من اختلاف الاستوديوهات، والمذيعين، وفريق العمل، إلا أن الشكل العام لبرامجها “هو هو”، لا اختلاف في طريقة العرض، أو ابتكار في جذب المشاهد، وكأن كل العاملين بالقناة خريجي صف واحد، يعملون بمبدأ “حافظ مش فاهم”، فهم ينفذون خطة مكتوبة لا مجال في التغيير فيها.
مفيش أكشن
فضلًا عن احتواء “القاهرة” بالفعل على عدد من برامج “التوك شو”، بشكل يومي، إلا أن ولا واحدٍ منهم من الممكن تصنيفه كبرنامج حواري، أو تفاعلي، أو حركي، فلا وصف للبرامج إلا أنها تقليدية، هادئة، روتينية، لا تعتمد على عوامل نجاح برامج “التوك شو”، من الاختيار المتنوع، أو الجديد، أو المثير للمواضيع، أو كأقل تقدير اختيار ضيوف أصحاب عوامل جذب جماهيرية، “تشعلل الموضوع”، أو مداخلات حادة، أو خلافات بين الحاضرين، فأغلب البرامج تبدو وكأنها “قعدة صحاب”.
مين دول؟
في أغلب القنوات الفضائية، وكعامل جذب أساسي، يعتمد مذيعي البرامج، في الغالب على اختيار وجوه معروفة، أو منتظر ظهورها بالنسبة للمشاهد، فطاقم الإعداد دائمًا ما يتابع الأحداث الجارية، لتصيد “بطل الساعة”، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعية، التي ساهمت في إلقاء الضوء بشكل شبه أسبوعي، إن لم يكن يومي على قصص جديدة لكل منها أبطالها، وهو ما تفقده تمامًا “القاهرة”، التي يقف المشاهد أمام ضيوفها متسائلًا: “هما مين دول؟”، خاصة إذا ما نسى فريق البرنامج كتابة اسم وهوية الضيف، للدرجة التي يعجز فيها متابعي برنامج “علماء من مصر”، على سبيل المثال من معرفة ضيف الحلقة الذي من الممكن أن يكن فيها أستاذً جامعيًا يشرف على بحث علمي لم يكتمل!
كذلك تفتقد القناة لما تتقنه البرامج الوليدة، قبل انطلاقها، وتسعى في الإعلان عنه، لضمان المشاهدات، وجذب الجمهور، وهو تواجد الفنانين، ولاعبي كرة القدم، والشخصيات العامة، وإن وجد، فتسجيلات قديمة، للقاءات غالبًا ما حفظها المشاهد.
مش متابع!
لا يخلُ برنامج تلفزيوني من أخطاء الإعداد، ولكنه الشيء الذي يسعى فريق العمل دائمًا على تفاديه، والتقليل منه، فكلما ازدادت سقطات الإعداد عزف المشاهدين عن مشاهدة المحتوى، لفقدانهم الثقة فيه، وهو ما خُفي تمامًا عن معدي قناة القاهرة، الذين تجاوزوا المعقول في الأخطاء للدرجة التي سأل فيها أحد المتصلين على برنامج “مع الناس” في إحدى المرات قائلًا: “هو حضرتك مستضيف مين أصل مش متابع البرنامج!”، بالرغم من توضيح المذيع مسبقًا للضيف، أن هناك مداخلة هاتفية لمتصل يريد التعليق عن المشكلة.
لم يكن ذلك هو الخطأ الوحيد في الإعداد، فبعدها بنصف ساعة فقط، في البرنامج الذي يليه “قول اللي في نفسك”، والذي كان يناقش نفس المشكلة تقريبًا، استعان إعداد البرنامج بسكرتير الإعلام بالاتحاد المحلي لنقابات عمال سوهاج، في حين أنه من المفترض أن القناة موجهة في الأساس لخدمة محافظات القاهرة الكبرى، بخلاف نظيرتها “الصعيد”.
أزمة تقديم
تمتد أزمة تقديم البرامج في “القاهرة” من برامج “التوك شو” إلى النشرة الإخبارية، ففي الأولى كثيرًا ما يقع المذيعين في مصيدة عدم التحضير للحلقة، وعدم مجاراة الضيف أو المتصل، كسؤال أحد المذيعين لضيفه أثناء مناقشة قضية التعليم ” الأهالي بتسأل عن الامتحانات اللي اسمها ميد تيرم باين؟”، أما الثانية، فمع تطوير مقدمي نشرات الأخبار، في الفضائيات العربية، والعالمية، لأنفسهم ليظهروا بصورة أكثر تفاعلية، وطبيعية، تقرأ مذيعة “القاهرة” الأخبار “البايتة”، التي مر على بعضها أيام، ولا تحمل جديد للمشاهد، من الورق، للدرجة التي تناست فيها النظر للكاميرا، مع انهماكها في القراءة، لعدم تحضيرها الواضح للأخبار، حتى أنها نظرت للورقة عند قراءة اسم وزير الزراعة.
مشاهد مشافش حاجة
من الممكن أن تمر كل تلك الأسباب على المشاهد العادي، خاصة المواطنين البسطاء، فلا تشكل معه فارقًا كبيرًا، وتكسب القناة، على الأقل الحد الأدنى من الاهتمام الجماهيري، بتقديم مشاكل المواطن الحقيقية، بل بكونها من المفترض هي النافذة التي يرى المسئولين منها ما يعانيه المواطن البسيط، وهو ما تجاهلته “القاهرة” تمامًا في اختياراتها للمشاكل التي تناقشها، فالمواضيع المطروحة خلال أسبوع كامل على سبيل المثال كانت ما بين أزمة التعليم الفني ونظرة المجتمع للمدارس الفنية، التي قتلت بحثًا، وقلق الآباء من الامتحانات، ونظرة على مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، ومعارض ومؤتمرات جامعة القاهرة، ليتحول الجمهور إلى “مشاهد مشافش حاجة” عن ما يهمه، كأن المحافظات الثلاث “القاهرة والجيزة والقليوبية”، خلت من الهموم، العامة والفردية، التي تمس سكانها.
لم تُسقط القناة المشاهد من حساباتها فقط في القضايا التي تهمه، بل في وسائل الترفيه التي يحبها أيضًا، فأغلب أفلام القناة، هي تلك المستهلكة التي حفظها المشاهد وقتما لم يكن أمامه إلا القنوات الأرضية، فتاريخ القناة توقف عند أفلام السبعينات، متجاهلة تغير أذواق الشباب، وتفضيلاتهم، وكذلك في الأغاني القديمة التي اقتصر جمهورها على محبي ” النوستالجيا”.
فضلًا عن ذلك سقطت القناة في جريمة بحق مشاهديها، وهي إظهارهم بصورة أشبه بـ”المهرجين”، ففي برنامج “الطريق إلى القاهرة” مثلًا، ظهر فيها المتسابقون بصورة أشبه بقنوات “الهلس” الإعلانية، التي تعتمد على الأسئلة السهلة التي يحلها الطفل الصغير بمجرد النظر لها، لكن المتصلين بالبرنامج، عاجزين عن معرفة إسماعيل يس واستيفان روستي، في صورة من فيلم “حرام عليك”.
اختراع السوشيال ميديا
يبدو أن مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت القنوات الفضائية تتفنن في الوصول للمشاهد من خلالها، بل تعين فرق مختصة لتنشيط صفحاتها على “السوشيال ميديا”، لمعرفتهم بأنها لغة العصر، لم يصل لـ”القاهرة”، التي اختفت تمامًا من عليها، ولا وجود لها إلا منذ ثلاث سنوات، على “اليوتيوب” ببعض الفيديوهات، التي تطرد المشاهد أكثر عنها.