وليد رشاد
منذ بداية عملى فى مجال الاعلام توقفت امام بعض الشخصيات التى اثارت فضولى الصحفى والاعلامى وربما الانسانى، من ضمن تلك الاسماء كان المطرب الراحل “كمال حسنى”، ورغم تعدد الاراء وتضاربها حول اسباب ابتعاده عن الوسط الفنى الا اننى قررت خوض المغامرة ومحاولة استكشاف اكبر قدر من الحقائق والمعلومات.
ولد “كمال حسنى” عام 1929 (وهو بالمناسبة نفس عام ميلاد العندليب) واسمه الحقيقي “كمال الدين محمد” وتخرج من كلية التجارة وعمل موظفاً بالبنك الأهلي، وقد بدأت موهبة الغناء معه منذ الصغر وكان يشارك في الفرق الغنائية المدرسية، وكان يهوى إعادة أغانى “محمد عبد الوهاب” ،”فريد الاطرش” بصوته إلا أنه عرف أن هناك مطرباً جديداً يسمى “عبد الحليم حافظ”، فذهب ليستمع إليه وكان “عبد الحليم” يغني أغنية “صافيني مرة”، “لايق عليك الخال”، وقرر “كمال حسني” أن يغني أغنية “صافيني مرة” في ركن الهواة بالإذاعة المصرية ولكنه تأخر بسبب سياسة الدور، إلى أن ظهرت أغنية جديدة للعندليب وكانت أغنية “توبة” وقد كانت نمطاً جديداً في الموسيقى والكلمات، فقرر أن يغنيها هذه المرة وبالفعل غناها في ركن الهواة بالإذاعة ومن شدة إتقانه للأغنية لم يستطع المستمعون أن يميزوا بين الصوتين، واعتقد “كمال” بالخطأ أن هذا سينال اعجاب “عبد الحليم حافظ “!! والعجيب ان اسمه الفنى حصل عليه ايضاً من الاذاعى الكبير “حسنى الحديدى” تماماً كما حدث مع العندليب الذى حصل على اسم الاذاعى الكبير “حافظ عبد الوهاب”، ومن هنا بدأت اغرب رحلة نجاح وسقوط فى الوسط الفنى !!
فمن الواضح ان اعداء “عبد الحليم” ارادوا استغلال حلاوة صوته وتشابهه معه فى ضرب “حليم” تحت الحزام، ومنهم المنتجة “مارى كوينى” والتى كانت ترفض ظهور “حليم” فى افلامها كنجم سينمائي لضألة جسمه واعتباره وجهاً غير سينمائى واكتفت بصوته فقط، وكذلك الكاتب “موسي صبري” الذى كان على خلاف ما مع “عبد الحليم” فاراد الدفع بالمطرب الجديد والترويج له نكاية في “حليم”، وكتب عنه فى مجلة “الجيل” انه الصوت القادم فى مصر وانه صوت هز مصر باكملها !!!!
وللمصادفة ايضاً وربما غير البريئة تم تقديم “كمال حسنى” فى اول افلامه عام 1955 (وهو ايضاً نفس عام انتاج وعرض اول افلام العندليب “لحن الوفاء”) ومعه نفس فريق العمل وهى العملاقة “شادية” والفنان القدير “حسين رياض” ونفس المخرج “ابراهيم عمارة”، وتزامن عرض الفيلمين فى توقيت متقارب حيث كان العرض الاول لفيلم “ربيع الحب” فى 24 سبتمبر 1956، حتى دويتو “تعالى اقولك” بين “شادية”، “حليم” من فيلم “لحن الوفاء” تم استنساخه بدويتو “لو سلمتك قلبى واديتلك مفتاحه” بين “كمال”، “شادية”.
وربما استغل “محمد الموجى” هو الاخر بعض خلافاته مع “حليم” وقدم لغريمه داخل الفيلم اهم واشهر اغانيه “غالي عليا”، ويقال ان “الموجى” كان يستغل فترات خلافه مع رفيق دربه “حليم” فى تقديم اصوات جديدة او التلحين للاخرين لضرب عصفورين بحجر واحد، الاول تقديم الحانه باصوات مختلفة والثانى اثبات ان نجاحه غير قاصر فقط على “حليم” ليضغط عليه لرفع اجره.
ورغم ان “كمال حسنى” قدم اكتر من 50 اغنية وتعاون مع كبار الملحنين والكتاب، ومنها “انا هنا والقلب هناك” كلمات “فتحى قوره” والحان “فريد الاطرش”، “خلاص نسيتنى” كلمات “عبد العزيز سلام” والحان “حسين جنيد”، “حبى انا” كلمات “مأمون الشناوى” والحان “محمد الموجى”، ” صباحك نور يا عيد” كلمات “مصطفى عبد الرحمن” والحان “خليل المصرى”، وتعاون كذلك مع الملحنين “عبد العظيم محمد “، “مدحت عاصم”، “عزت الجاهلى”، “محمد فوزى”، “عبد المنعم البارودى”، “منير مراد”، “على اسماعيل” و غيرهم … وفجأة قرر أن يعتزل الفن نهائياً وهاجر إلى لندن ليشتغل بالأعمال الحرة إلى أن عاد إلى مصر نهاية التسعينات.
وتضاربت الاراء حول اعتزاله الفنى وهروبه من الوسط الفنى:
* فالبعض يرى انه كان صغيراً ولم يستوعب خبايا ومؤامرات الوسط الفنى، وانه كان ميالاً لاسرته وابناؤه ولم يكن محترفاً للفن بالمعنى الصحيح وكان هاوياً يستمتع بالغناء فقط.
* والبعض يري انه كان يملك صوتاً جميلاً ولكنه لم يكن له نفس ذكاء وكاريزما العندليب وانه لم يكن وجهاً سينمائياً مقبولاً عندما قدم اول واخر افلامه الذى لم يحقق النجاح المتوقع وكذلك لم يفشل فشلاً ذريعاً وسقط فى منطقة رمادية.
* البعض ايضاً يرى انه اخطأ عندما قدم نفسه كاستنساخ من العندليب ولم يستطع ايجاد طريق فنى مختلف فلا يمكن ان يستمر مطرب لمجرد انه بديل لمطرب اخر، اضافة الى انه يبدو ان من دعموه اضروه باسلوب غير مباشر حينما حرقوه مبكراً بالمبالغة فى تقديمه كمنافس اساسى للعندليب وليس كوجه جديد فسقط فى دائرة منافسة عنيفة مع نجم محبوب من الجماهير.
* واخيراً كان الرأى الذى يسود بين الكثيرين سواء بالاعلان الصريح او التلميحات بان الغيرة الفنية والرغبة فى البقاء على عرش الغناء العربى، والتى كانت مسيطرة على العندليب ودفعت به لمحاربة الكثير من الاصوات الشابة مثل “محرم فواد”، “محمد رشدى” هى ما دفعته ودفعت دوائر اصدقاؤه ومؤيديه فى الصحافة والاذاعة الى محاربة “كمال حسنى” والقضاء على امكانية منافسته للعندليب.
اياً كان السبب فان “كمال” لم يحتمل المنافسة وتلك الاجواء وهاجر للعمل فى لندن ولم يعد الا فى التسعينات بعد سنوات من رحيل العندليب، ولم يوافق على تقديم اى اعمال فنية واكتفى بتقديم بعض الاغانى الدينية، حتى رحل فى هدوء فى ابريل 2005 تاركاً ورائه مجموعة من الالغاز التى لم تحسم حتى الان، تسببت فى خسارة موهبة كان يمكن ان تكون من افضل الاصوات الفنية ولكن يكفي انه ترك لنا رائعته الغنائية “غالى عليا”، والى اللقاء مع موهبة اخرى لم تستكمل مشوار النجاح والاسباب مختلفة …