“تذكرة مترو الأنفاق”، تلك القصاصة الصغيرة الصفراء التي لم يطرأ عليها -ولا على الخدمة التي تقدمها- أي جديد، خطفت الأضواء وتربعت منفردة على مقعد البطولة بين أحداث اليومين الماضيين بعد قرار وزير النقل بزيادتها بنسبة 100%.
كان الحديث عن رفع سعر تذكرة مترو الأنفاق محل جدال وحوارات ومناقشات طوال شهور، ومثلها مثل كل القرارات التي تلقيها الحكومة في وجه المواطنين، لا ندري ما الجديد الذي حدث في هذا الملف ليدفع الوزير لاتخاذ القرار بهذا الهدوء “ليلة الخميس”، خاصة في ظل هذا الموقف الغريب للبرلمان … الذي جاء بعد ثورتين.
أخذ الحديث عن رفع سعر تذكرة المترو يرتفع كموج البحر الثائر، ثم يعود ليهبط ويختفى تحت رمال الشاطئ، في شكل موجات زلزال متتابعة من الشائعات والتصريحات الحكومية، ذات التوابع الارتدادية.
لم أقتنع يوما، ولم يقتنع مستخدموا المترو الأصليين –من أمثالي- بحديث خسارة المترو والبحث عن موارد، فلو كنت حضرتك ممن يركبون المترو وشاهدت تكسير أرضيات المحطات وكباري المشاة بها، لتغييرها بالرخام البني بدلا من البلاط، الذي كان وقتها في كامل قوته وتألقه، لعرفت أن هذا المرفق غني جدا يضم في خزانته أموالا لا يعرف القائمون عليها كيفية إنفاقها.
أو لو شاهدتهم وهم يدخلون خدمة السلالم الكهربائية داخل المحطات، لظننت أنك تعيش في دولة أوروبية وفرت حكومته لمواطنيها كل وسائل وسبل الراحة والرفاهية، وتخشى عليهم من صعود السلالم داخل المحطات، لعرفت وتأكدت أن هذه الحكومة وهذا النظام لم يسمع يوما عما يسمى “فقه الأولويات”.
حدث هذا في الوقت الذي كانت عربات المترو وقطاراته تعاني من سوء وتردي الأحوال بسبب انعدام الصيانة أو عدم كفاءتها وكفايتها، فذهب الحكومة ووقعت عقدا باستيراد عربات الجديدة (المكيفة) من كوريا، تم إدخالها الخدمة بالفعل، وجاءت لتحل محل عربات قطارات المترو القديمة، التي خرجت نهائيا من الخدمة، فلم تمثل أي إضافة حقيقية تفرق في سرعة المترو مثلا، أو تقليل زمن التقاطر لتقليل الزحام، فما فائدة العربات المكيفة بالله عليكم إذا كان الركاب يركبونها محشورين ككتلة لحم مخزنة في عبوة صفيح، الفرق بينها وبين القديمة أنه تم وضعها على رفوف ثلاجة؟!
عندما تم الإعلان عن نية رفع سعر تذكرة المترو قبل شهور بحجة أنه يخسر، تم طرح عدة اقتراحات مثل تخصيص عربات مميزة في المترو، وهو ما عمل عليه المرفق بالفعل وحدد أول عربتين على الرصيف بخطوط صفراء وكذلك أول عربتان، وتم لصق علامة من نفس اللون على شبابيك قطع التذاكر بالمحطات، استعدادا للبدء في تنفيذ القرار، وفجاة ماتت الفكرة، التي لا نعلم من أحياها ومن أماتها؟
كما تم طرح اقتراحات باستغلال المترو إعلانيا بشكل جيد وهو ما يحقق دخلا كبيرا يعوض ما يقال عنه خسارة، (يركب المترو يوميا ما لا يقل عن 2 مليون مواطن)، أو تأجير أكشاكا بالمحطات، وهو ما تم بالفعل، لكن يبدوا أن وزارة النقل لا يملأ عينها إلا (الـ2 جنيه).
المثير للدهشة أنك تجد من يرددون باقتناع غريب، الرأي الذي نجحت الحكومة في إقناعهم به وهو أن سعر 1 جنيه للتذكرة قليل جدا، والتذكرة لم يزد سعرها منذ 10 سنوات، وأن أقل أجرة للميكروباص أغلى من تذكرة المترو …. إلى آخر هذه الترهات التي يمكن الرد عليها ببساطة وهدوء بعدة نقاط:
1- تحديد سعر 1 جنيه للمترو ظل معمولا به طوال 10 سنوات كما تقولون، لمن يركب محطة مثل من يركب كل الخطوط، يعني بالبلدي كده (دي بتشيل دي)، ولم تسبب خسارة للهيئة.
2- مترو الأنفاق مرفق حكومي، وطبيعي جدا ألا يكون هادفا للربح، وعيب جدا أن نجد أحدا يقارن بينه وبين الميكروباص، إلى هذا الحد لا ترون ولا تريدون أن تروا أي تواجد أو مسئولية للدولة؟
3- لماذا لم تسند الوزارة إعلانات المترو إلى شركة خاصة كبيرة تحقق منورائها مئات الملايين من الجنيهات سنويا.
4- لماذا وافقت الحكومة على استيراد عربات مكيفة من كوريا، رفعت من مبيعات أدوية الصداع بسبب إذاعتها الداخلية التي يصر السائقون (الذين يحصلون على راتب 11 ألف في الشهر) على تشغيلها بأعلى صوت لتقول لنا بالعربية والإنجليزية: “القطار على وشك المغادرة – برجاء الابتعاد عن الأبواب” طالما ظروفنا المالية ليست على ما يرام؟ ألم يكن أولى صيانة ما لدينا من عربات أو حتى استيراد عربات عادية أو تصنيعها في الهيئة العربية للتصنيع؟؟
5- وزير النقل فضح نفسه وفضح الهيئة بأكملها عندما حاول تبرير زيادة سعر التذكرة، فقال: ” لدينا التزامات مالية كبيرة فراتب سائق المترو 11 ألف جنيه في الشهر” …. فانطبق عليه المثل القائل: (جه يكحلها عماها)، وهو التصريح الذي كان يجب أن يقلب الدنيا ولا يقعدها لو كنا في بلد أخرى غير مصر، فلو كان راتب سائق المترو (ربنا يبارك له) 11 ألف جنيه شهريا، فكم يبلغ راتب ناظر المحطة أو مديري الإدارات بالهيئة؟ الحق يقال يا سيادة الوزير حجة مقنعة جدا لرفع سعر التذكرة.
6- لماذا لا تمتلك الحكومة شجاعة مصارحة الشعب بأنها سترفع دعم الطاقة المستخدمة بالمترو، كما رفعت عنه دعم الطاقة في باقي مرافق حياته، تبعا لتعليمات البنك الدولي العليا، إذا كان هذا هو السبب الحقيقي وراء رفع سعر التذكرة.
7- السادة المسئولي ومنهم الوزير يحسبون سعر تذكرة المترو بتحميل تكلفة الإنشاءات … وحسبي الله ونعم الوكيل، “حسب حوار الدكتور هشام عرفات وزير النقل بالمصري اليوم عدد السبت 25 مارس 2017:
– “ما السعر العادل للتذكرة؟
– هناك أكثر من طريقة لحساب سعر تذكرة المترو، الأولى إذا تم حساب تكلفة الإنشاءات، فإن سعر التذكرة الاقتصادى- حتى يحقق ربحا- هو 12 جنيهاً، وإذا تم حساب تكلفة التشغيل الفعلية، دون حساب تكلفة المحطات، فإن السعر العادل هو 6 جنيهات، وعندما درست جداول أسعار التذاكر، كانت الدراسة تحدد 3 جنيهات سعراً للتذكرة، ولكن قمت بخفضها إلى جنيهين، ما يعنى أن الدولة لا تزال تدعم التذكرة بـ4 جنيهات، دون التكلفة الشاملة، بعد إضافة حساب تكلفة البنية التحتية.
سأكتفي بهذه النقاط، رغم وجود مئات الأسئلة والاقتراحات التي تنتظر إجابات لن تأتي.
أما الفصل الهزلي في الموضوع، الذي تخطى -من كثرة تكراره- حد الهزل ودخل إلى مرحلة المهزلة / الماساة، فهو موقف البرلمان من الموضوع (راجع أخبار يومي الخميس والجمعة 23 و24 مارس 2017):
– الوزير يعلن للبرلمان أنه سيرفع ثمن تذكرة المترو ويرفض إخبارهم بالسعر الجديد.
– البرلمان يرفض زيادة تذكرة المترو
– سعر التذكرة يرتفع بالفعل …
مانجيلكوش في برلمان.