في زمن الصحافة الجميل ( كما تتذكر زمن الإرهاب الجميل )، إذا ما أردت المقارنة بماضٍ أليم لتسخر من حاضرٍ أشد إيلاماً، تتذكر مقولة ( أن الخبر لا يكون خبراً إذا كان عنوانه ” كلبٌ عض رجل “، وإنما الخبر هو الذي يحمل عنوان ” رجلٌ عضَّ كلب ” ) ، لم يكن مُرادهم حين قالوها سويَّاً، لتشجيع الصحفيين لجمع الأخبار النادرة مثلاً ،وإنما كانت لتعليمهم كيفية فبركة العناوين الصادمة، وصبغ الخبر بصبغة مثيرة تجعل منه مشوقاً بخلاف الحقيقة، ولكن ما حدث هذه المرة لا دخل له بالأخبار النادرة أو الأسلوب الملتوي لجذب القرَّاء، لأن الحادثة وإن لم يكن عنوانها ” رجلٌ عض كلب ” فوقائعها أكثر عدوانية ودموية من العَض، بالرغم أنه لم يحدث قَبْلَاً أن رجلاً عض كلباً !
أسطورة ” الرجل الذي عضَّ الكلب ” لم تعد أكذوبة للترويج الإعلامي لخبر في جريدة، أو وسيلة لتحقيق مزيد من المبيعات للجرائد على الأرصفة، أو لرفع ” ترافيك ” المواقع الخبرية على الإنترنت، لأن ما حدث أخيراً كفيلاً أن يقوم بهذا كله، قام رجال رُشْد بالتكالب بالسيوف وسكاكين الجزارين على ” كلب مستأنس “، وبغض النظر عن الحكايا التي من ضمنها تبريراً لقتله باعتباره مسعوراً عقر ثلاثة أشخاص وتسبب أن يُحكم على صاحبه بالسجن سنة، فأَجْبَرَ المجني عليهم، صاحبَه، لتسليمهم إياه للقصاص منه، بدلاً من سجنه، فقد جاءت طريقة التخلص من الكلب الأكثر بشاعة على الإطلاق، طريقة داعشية من الدرجة الأولى، أَسْرٌ ثم تجهيز ثم خداع ثم ذبحٌ بدمٍ بارد، إِلَّا أن الفارق هذه المرة هو تواجد الجمهور بكاميرات تليفوناتهم المحمولة، ولأني شاهدت مشهد الذبح دون صوت فلا أدري هل خرج من ضمن المتفرجين صوت رحيم يصرخ فيهم لردعهم عن جريمتهم النكراء ؟! أو صوت يذكرهم بتحريم ما تقترفه أيديهم ؟! أو صوت يستعطفهم للتوقف بعد أن تحول المشهد لممارسة شاذة ساديَّة تتلذذ بتعذيب كائن حي يصرخ ويستغيث ولا مجيب !
قبل رؤيتي بدقائق لتلك المشاهد المأساوية، الأقرب لطقس وحشي يقوم به أفراد من قبيلة آكلة للحوم البشر في غياهب أفريقيا، كنت أشاهد فيديو على ” واتساب ” وبطلاه كلب ورجل، ولكنه رجل آدمي غير أولئك الرجال منزوعي الإنسانية، الفيديو يبدأ بمشهد لكلب أسود أجرب، نحيل، هزيل جالس على الأرض وحيداً في مكان ما في مدينة جدة، وما أن بدأ الكلب بالتحرك حتى انتصب واقفاً على القائمتين الأماميتين فقط، وبقي النصف الخلفي ( أي منتصف ظهره ورجليه الخلفيتين ) ملتصقتين بالأرض وكأنه مصاب بالشلل، ولمَّا مشى بقي نصفه الخلفي ملتصقاُ بالأرض يزحف وراءه بحركة بطيئة تثير وجعاً في القلب على حالته المزرية، وبسؤال المتواجدين بالمكان، تبيَّن أن رجلاً مصريَّاً يقوم بشراء قطع الدجاج كل يوم خصيصاً، ويقوم بتقديمها والماء له، وقيامه بمحاولات عديدة دون استجابة، للاتصال بجمعيات رعاية الحيوان للتوصل لعلاج له على يد أطباء مختصين.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) .. وفي حديثٍ آخر : ( يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجراً ؟! قال : في كل كبد رطبة أجر) ، هؤلاء السفَّاحين لا يعلمون شيئاً عن الإنسانية ولا الرحمة والعطف بالفطرة، فلن نتوقع منهم امتثالاً لكلام الدين أو أن تلين قلوبهم لمشاهد مؤثرة لا لحيوان أو لإنسان .. وكما لا يمتثلون لدين أو لا يمتلكون مشاعر مجبول عليها الإنسان، فإنه في نفس ذات الوقت لا يوجد في القانون مادة تعاقبهم عقاباً رادعاً، وستنتهي تلك الحادثة الشنيعة بمجرد فيديو يتناقله الناس ويعلقون عليه، كما انتهت مذبحة القطط في نادي الجزيرة بحفظ التحقيقات لعدم وجود نص يحرم قتل الحيوانات الضالة،ونص المادة 357 لمعاقبة إلحاق الضرر بالحيوانات المستأنسة تقول : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه، كل من قتل عمداً أو سَمّ حيواناً من الحيوانات المستأنسة غير المذكورة في المادة 355 ” حيوانات الركوب، والجروالحمل وأي نوع من المواشي، أو سمَّ سمكاً في نهر أو ترعة أو حوض” أو أضرَّ به ضرراً كبيراً ).
لم يعد الموقف يقبل حديثاً مبدئياً من قبيل وجوب الرفق بالحيوان وتحقيق حقوقه، أو عن الإنسانية التي بدأت بالتلاشي، الأمر تعدى تلك المرحلة منذ أمَدٍ بعيد ليس بسبب ما يحدث للحيوان، وإنما لأن ما يحدث مع الحيوان يحدث بشناعة مماثلة مع الإنسان، مشاهد النحر والذبح والحرق والتمثيل بالجثث والتعذيب والقتل بدم بارد فاقت الوصف، دخلنا بداعشيتنا الكامنة مرحلة أشبه بأفلام الخيال العلمي، لتصبح الحقائق الأغرب من الخيال.
الحسيني بعد قتل “كلب شارع الهرم”: هروح لدكتور نفسي
هالة منير بدير: سور فيسبوك وتويتر العظيم
هالة منير بدير : إسلامُهُم البرتقالي
هاله منير: كسروا النضارة وعايزني أشوف نص الكوب المليان
هالة منير بدير: بدلة الوقاية من بُمْب العيد !