محمد عبد الرحمن
نقلًا عن المقال
إذا كان إهمال الآثار المصرية هو تقليد حكومي سارت عليه كل الوزارات على مدار عقود متتالية، سواء كان الآثار وزارة مستقلة أو تابعة للثقافة، فإن المهرجانات السينمائية تحديدًا لم تشهد هذا القدر من الإهمال الحكومي، سوى في عهد وزير الثقافة الحالي الكاتب الكبير حلمي النمنم.
إهمال يبدو متعمدًا إلى حد كبير بل يظهر من متابعة أخبار تلك المهرجانات في العاصمة وباقي المحافظات، أن الوزير يحرص على حضور حفلات الافتتاح والختام لتلك المهرجانات ليتأكد بنفسه أنها تحتضر ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى، هذا الإهمال قد يصل إلى حد إهدار المال العام إذا وضعنا في الاعتبار أن كل المهرجانات باتت تعتمد بشكل أساسي على الدعم الصادر من وزارات الثقافة والسياحة والطيران، وبما أنها لا تحقق أهدافها في الوقت نفسه فمن المسئول عن أموال الدولة التي تهدرها إدارات هذه المهرجانات؟
على سبيل المثال لا الحصر، زيارة النجم السينمائي ويل سميث الخاطفة للأهرامات والمتحف المصري والتي لم تكلف الدولة شيئا، لو وضعناها في ميزان مع تأثير آخر خمس دورات لمهرجان القاهرة الذي يترك سجادته الحمراء للمغمورين ومجانين الشهرة، أي كفة سترجح؟ قس على ذلك كل المهرجانات التي تقام في المحافظات بحجة الترويج للسياحة وجذب أهالي الإقليم للسينما، ثم لا نقرأ في “بعض الصحف” إلا أخبار فضائح التنظيم وغياب الجمهور.
نقول “بعض الصحف” لأنه للأسف بات المعتاد هو دعوة كل الصحفيين من كل الصحف تقريبا لحضور كل المهرجانات بالطائرات من القاهرة إلى شرم الشيخ والأقصر وأسوان، وإكراما للدعوة يتم الحد من نشر الإخفاقات، هل تابع وزير الثقافة ما جرى في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الأخيرة؟، هل علم بقيام إدارة المهرجان بالغاء الجوائز المالية للأفلام لتوفير مقابل تذاكر طيران وإقامة الصحفيين والنقاد القادمين من القاهرة أفواجا؟، هل يعقل أن تأت لنا الأفلام من أنحاء إفريقيا وتخرج فائزة بشهادة تقدير فقط، بعدما علموا بالغاء الجوائز المالية بعد بداية الدورة؟، هل كلف “النمنم” نفسه وسأل عن خبر تكريم عصام الحضري في المهرجان، والذي تم إعلانه خلال البطولة الإفريقية في الجابون لماذا لم يتم؟، هل سأل عن سبب دعوة أميتاب باتشان للتكريم وهو نجم آسيوي وهذا مهرجان إفريقي؟، ولو كان المبرر أنه نجم عالمي، فلماذا لم يتم دعوة غيره بعد اعتذاره؟.
“بلاش الأقصر”، هل حصل النمنم على تأكيدات كافية بأن إدارة مهرجان الإسكندرية ستلتزم بتوصياته في الدورة المقبلة، بعدما امتنع عن تغييرها وأعطاهم فرصة أخيرة، وكأن المهرجان فريق كروى يعطي لاعبا أخفق في مباراة فرصة ثانية؟، مع أن هذه الإدارة تتولى المسئولية منذ عدة سنوات والفرق بين دورة وأخرى هو عدد المخالفات والفضائح، أم أنه صحيح ما ردده العاملون في المهرجان همسا دفاعا عن أنفسهم، من أن الوزير نفسه طلب دعوة عدد كبير من مرافقيه؟، وهؤلاء – بالإضافة لأصدقاء إدارة المهرجان – من امتلأت بهم غرف الفندق، بالتالي “لا تعايرني ولا أعايرك ” فالكل يخالف ولا أحد يحاسب.
نترك المحافظات ونتأتي للمهرجان الأهم، الذي أهمله وزير الثقافة قبل دورته الأخيرة وهي الدورة الثامنة والثلاثين والتي شهدت مخالفات صارخة، وكان من المفترض أن يعلن النمنم قبل بداية العام الحالي عن تغييرات شاملة في إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أو يبقي على الإدارة الحالية ويفسر للرأي العام – إذا كان يعترف به – لماذا أعطاهم هم أيضا فرصة أخرى، لكن لا هذا حدث ولا ذاك تم.
نقترب من بداية أبريل، ومهرجان كان بعد أسابيع، ولا نعرف من سيمثل مهرجان القاهرة السينمائي في سوق المهرجان الدولي الشهير ويتكلم باسمه، شكلا لاتزال السيدة ماجدة واصف هي رئيس الدورة ولا تزال الإدارة كما هي، وكأنه لا توجد وزارة للثقافة دورها الأساسي الرقابة والمتابعة وحماية المال العام والتأكد من تحقيق هذه الفعاليات للأهداف المرجوة منها، إذا كان وزير الثقافة لديه ملفات أهم يتابعها، وإن كنت لا أرى أي تميز في أي ملف تابع للنمنم، فليترك إدارات المهرجانات لغيره أو يتشجع ويطلب من الدولة خصخصة المهرجانات وتتوقف الخزانة العامة عن صرف الدعم للمهرجانات ويتركها للقطاع الخاص وتكتفي الدولة بالإشراف الفني، حينها ربما تتغير القواعد التي على أساسها تحولت تلك المهرجانات لسبوبات سنوية يتربح منها القائمون على الإدارة ويتنزه على حسابها محاسيبهم من جهة وزملاء يعتبرونها فرصة للسفر المجاني في أنحاء مصر، مع مشاهدة فيلمين ثلاثة والكتابة عن حفلي الافتتاح والختام على أن تبدأ تقاريرهم بـ “افتتح السيد وزير الثقافة”، ليظهر النمنم في السطر الأول من كل تقرير ويختفي بعدها من باقي التفاصيل.