وسط الكم المتزايد منذ سنوات من الصحف والمجلات، أتوقف أسبوعياً باهتمام عند مجلة المصور السياسية العريقة، والتي تعيش سنواتها العشرة الأخيرة من مئويتها الأولى من عمر عفي مديد بمشيئة الله، وتصدر كما نعلم عن مؤسسة دار الهلال، إحدى أكبر مؤسساتنا الصحفية القومية، ويقوم على مسئولية إدارتها وتحريرها مهنيون كبار بقامة غالي محمد وسليمان عبد العظيم وأحمد أيوب، تسلموا أمانتها المهنية بالأساس، بعدما عهدوا مسئولية الحفاظ عليها، وزيادة رصيدها، على يد شيخ شيوخ المهنة مكرم محمد أحمد متعه الله بالعمر والصحة.
في عددها الأخير الصادر الأسبوع الماضي، ومن بين عدة ملفات تتناول الشأن العام، وما يتعلق به من قضايا ساخنة مثل المصالحة مع الإخوان، ومجانية التعليم، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، والدعوة لمحاكمة فريد الديب بتهمة تضليل الشعب المصري في مرافاعاته عن الرئيس الأسبق مبارك، زاعماً ومؤكداً من جلسة لأخرى، أنه لا يملك مليماً واحداً، من بين كل هذا وغيره على صفحات العدد، استوقفني حوار أجراه الصحفي الشاب أحمد جمعة مع الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أكد في عنوانه الرئيسي أن المناخ الآن مهيئ لانتشار الشائعات، ولابد من خطاب إعلامي يشرح للناس ما يحدث.
الحوار على قدر إيجازه، استعرض عدة قضايا إعلامية ملحة، بداية من حجم تأثير وسائل الإعلام التابعة لتنظيم داعش، ونهاية برؤية صفوت العالم لمواجهة إعلام الشائعات، ومروراً بتقييم أداء وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وحجم تأثيرها المضاد للدولة، وإلى أي مدى نستطيع مواجهة ترويج الإخوان الإعلامي للشائعات، وحجم معاناتنا من مشكلة تصحيح صورة مصر في الخارج، ودور الإعلام الرسمي من هذه القضايا، وإلى أي مدى قد تساهم المؤسسات والهيئات الإعلامية الوطنية المنتظر تشكيلها قريباً جداً في ضبط أداء العملية الإعلامية.
فقد أكد الدكتور صفوت العالم أن لتنظيم داعش إعلام يختص بتغطية عملياته العسكرية في المناطق التي يسيطر عليها، ويعتمد في هذا بالأساس على التواصل الإلكتروني والتصوير المتطور، وبما يطبع صورة ذهنية بقدرته على السيطرة، فالتنظيم يستخدم رسالة إعلامية لها استمالات إقناعية، تحرص من خلالها على خلق دوافع الشباب للمشاركة في العمليات الانتحارية، على اعتبار أن ذلك جهاد في سبيل الله، ويؤكد الرجل أن داعش لديه وزير خاص بالإعلام، ومهتمون بشكل كبير بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويهتمون بكل تكنولوجيا الاتصال في التصوير والتغطية لعملياتهم الإرهابية.
وبشأن إعلام جماعة الإخوان الإرهابية، يرى ضيف المصور أنه يتمركز أساساً في تركيا، ويستفيد من بعض الكوادر الإعلامية التي خرجت من مصر بعد ثورة 30 يونيو، وينطلق من عدة قنوات فضائية ممولة تبث إرسالها من اسطنبول، وهذا بالإضافة إلى عدة جماعات إلكترونية تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبحيث تتداخل في المناقشات، مستغلة معاناة أفراد الشعب، أو صدور أحكام قضائية، أو غلاء في الأسعار، وانتقاد الأوضاع القائمة في مصر، كما يقومون بتوجيه الدعاية المضادة لكبار المسئولين، وخلق ادعاءات مضادة لفكرة التلاحم بين المسلمين والمسيحيين، ورصد برامج التوك شو، وتوجيه الدعاية المضادة لما يثار في هذه البرامج
وعن تأثير نشاط إعلام الجماعة المضاد للدولة، يؤكد الدكتور صفوت العالم أن جماعة الإخوان الإرهابية أصبحت تستخدم إعلامها في تسريب مكالمات حقيقية أو مفبركة لكبار رجال الدولة، وبما يحدث وقيعة دبلوماسية بين مصر ودول كثيرة، ويساعد على تباين تأثير إعلام الإخوان، أن الإعلام المصري حالياً إعلام أحادي الجانب، فتحرير سعر صرف الجنيه المصري على سبيل المثال، أحدث انفلاتاً متفاوتاً في أسعار السلع والخدمات، وبما لا يتلائم مع دخول المصريين، وفي هذا لم تقدم الدولة خطاباً إعلامياً اقتصادياً ناجحاً، وإنما وجدنا تصريحات غير دقيقة هنا وهناك من بعض المسئولين لا تتناسب مع حجم القرار، ومما أفسح المجال لتوجيه الدعاية المضادة بسهولة.
ويستكمل العالم فيضيف أن الهيئة العامة للاستعلامات، المسئولة عن تصحيح صورة مصر بالخارج، تواجه مشكلة ترجع إلى استمرار تقليد أن يتولى رئاستها دبلوماسي كواحدة من مدد خدمته، وهي تحتاج إلى رؤية واستراتيجية إعلامية متكاملة لا يقوم بها إلا إعلامي، وعن دور الإعلامي الرسمي، فلا مانع من وجود قنوات إعلامية تابعة للدولة، تقوم بالدور الإعلامي المطلوب، وماسبيرو به كوادر، ولكن منظومة العمل هناك تخلق خللاً بإدارة العمل، ويؤكد الرجل أنه منذ عامين كان أحد أعضاء لجنة وضع التشريعات الإعلامية، والتي قامت بوضع ضوابط المجلس الاعلى للإعلام، والمجلس الوطني للصحافة، والمجلس الوطني للإعلام السمعي والمرئي.. فأين هي؟!.
وختاماً، لخص الدكتور صفوت العالم رؤيته لمواجهة إعلام الشائعات، مؤكداً ضرورة وجود خطاب إعلامي مخطط من مؤسسة الرئاسة، تكون وراءه أيديولوجية فكرية تفسر ما يحدث سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، فضلاً عن فتح الباب لكل قنوات الاتصال والإعلام، وأن تكون هناك خطط إعلامية لمتابعة المشروعات الكبرى، وأن يكون الأداء من الحكومة بشكل أسرع، ومع أهمية إتاحة الفرصة الحقيقية للرأي والرأي الآخر، والاستفادة من كوادر الوطن في كل المجالات، وعلى الإعلام في مجموعه أن يحترم عقول المشاهدين، وألا يترك عبء الإعلام على الرئيس وحده، فلابد وأن تكون منظومة الاداء الإعلامي متكاملة، بما في ذلك الاستمالات الإقناعية، والتخويف للإرهابيين، والاستمالات المنطقية، واستمالات البناء والتنمية، وأن يتم توظيف لقاءات الشباب بما يحقق آمال جموع الشباب، ولا يقل أهمية عن هذا كله، ضرورة وضع خطاب أيديولوجي لمصر في هذه المرحلة.