يقول أصحاب نظريات الإثارة والتشويق في مجال الصحافة أنه “حين يعض الكلب رجلاً فهذا ليس بخبر.. الخبر الحقيقي..هو أن يعض الرجل كلباً”..
إنه الشذوذ الذي يجذبك لقراءة التفاصيل.. الغرابة التي تجعلك متشوقاً لمعرفة الإجابة عن الأسئلة الخمس الشهيرة في أي خبر!
لم أكن أدرك صحة هذه المقولة قبل أن أقترب من ذلك العالم الثري المتشعب الذي يدعي الإعلام.. وقتها فقط.. أدركت كم المهازل التي ترتكب .. كي يتم خلق أخباراً من هذا النوع !!
الخبر هذه المرة أن برنامجاً دينياً جديداً سيعرض في رمضان القادم .. الي هنا والأمر طبيعي تماماً.. فنحن لا نتذكر البرامج الدينية إلا في رمضان تحديداً.. كما لا نتذكر أن نتصدق بأموالنا أو نخرج زكاتنا السنوية ..إلا حين يحل الشهر الفضيل!!
إنه نوع من تطبيق نظرية ” الشئ بالشئ يذكر”.. فطالما نتعبد الي الله بالصيام ..فلنكمل باقي الفروض .. و لنتذكر ديننا الذي ربما نفقد الكثير منه و من أخلاقه خلال العام كله.. لا بأس .. في النهاية هي أفعال محمودة ، نتمني أن تتم طوال العام.. فإذا كنا نتناساها ..فليكن رمضان فقط. أفضل من ألا نفعلها من الأساس!
الجديد هذه المرة هو شخصية مقدم البرنامج .. و هو بمفاهيم الإعلام المهني وسيلة “لبيع” البرنامج إعلانياً.. ووسيلة لجذب المشاهد للمحتوي الذي يقدمه فريق الإعداد .. إنه الوسيلة التي يحاول معدي البرامج تسويق مادتهم الصحفية أو العلمية من خلاله ..فوجه مقبول ذو مصداقية و إحترام سيكون وسيلة ناجحة من وجهة نظري .. و لكن الامر هذه المرة يختلف!!
لقد قرر صناع البرنامج أن تقدمه “راقصة” علي رأس العمل .. أي أنها مازالت تمارس الرقص ولم تعتزل مثلاً..ليس هذا فقط.. إنها راقصة مبتذلة سفيهة .. بل هي رمز للإبتذال والفجاجة !
الامر حقيقي لا لبس فيه .. لقد قرر منتج ما أن يستثمر ماله علي حساب الدين .. ضارباً بعرض الحائط كل الثوابت والقيم التي تربينا عليها بحجة الحريات .. ورافعاً شعاراً حقيقياً يراد به باطل.. أنه إذا كنت ترفض البرنامج .. فيمكنك ببساطة ألا تشاهده!!
إنه نوع من التجارة التي تتجاوز كل الحدود .. والتي تقترب من فكرة الإتجار في المخدرات نفسها.. فتقديم شكل إعلامي يحمل كل هذا القدر من الشذوذ هو قمة الإسفاف والوضاعة في وجهة نظري!
الكارثي في الأمر أن البرنامج سيحظي بنسب عالية للمشاهدة .. الكل سيبحث عن القناة التي تعرضه ليشاهد تلك الراقصة..ماذا سترتدي..بل و كيف ستقدم المحتوي الديني للبرنامج.. وهي تتحدث بأسلوبها المبتذل.. الكل سيبحث عنه كما يبحث عن ذلك القرد الذي يقلد “عجين الفلاحة” أو “نوم العازب”!
إنه الشذوذ في المشهد .. التضاد والتنافر الذي يصنع الإثارة و يفتعل الحدث الذي يجذب المشاهد.. وبالتالي يجذب المعلنين !!
برنامج الراقصة الديني هذه المرة هو ذلك الرجل الذي سيعض كلباً في رمضان القادم .. و لكن اختلاق الخبر هذه المرة قد تم باحقر وسيلة إتجار ممكنة.. اتجار بالدين !
استقيموا.. يرحمكم الله!