محمود مصطفى كمال
أريد أن أسافر. أريد أن أكتب. أريد أن أتطور! ثلاث نتائج أردت أن أصل لها حينما كان عمري ٢٤ عاماً .. هل تحولت إلى شجرة؟! العمل طوال أيام الأسبوع في ثلاث وظائف مختلفة حولني شيئاً فشيئاً إلى شجرة تتصل جذورها بعمق بثلاثة مكاتب.
رغم دراستي وعملي بالمجال الذي أردت دائماً العمل به وهو الإعلام، إلا أن الأنظمة الصدئة وعدم اهتمام معظم المؤسسات الإعلامية بتطوير موظفيها كانت شيئاً يخبرني يومياً بأنني لن أستطيع الاستمرار لوقت طويل.
منذ أن بدأت الكتابة عن السيارات منذ خمس سنوات عام ٢٠١٢ كان بذهني دائماً شيئاً واحداً، وهو لأي مدى نترك وسائلنا غير مستغلة .. فكل الاختلاف بيني وبين كاتب من ستينات القرن الماضي أنه كان يكتب من مكتبه على الآلة الكاتبة ثم يبعث محمد أفندي بما يكتب للشركة التي يخاطبها، بينما أكتب أنا من مكتب مشابه وأبعث بما كتبته عن طريق البريد الإليكتروني! هذا هو كل الاختلاف.
كيف نستخدم كل وسائل الاتصال الرقمي في نشر الأخبار فقط على فيس بوك؟ كيف نتجاهل كل هذه الحرية؟
في رحلتي الأولى إلى فرنسا عام ٢٠١٤، استثمرت جزءاً من دخلي لحضور معرض باريس الدولي للسيارات، وهناك تعرفت على عدد من الصحفيين والمصورين والمدونين، ممن يعملون بشكل حر من كل مكان في العالم، بدون حضور وانصراف وساعات عمل، وفي الواقع أنهم يعملون لساعات أكثر بكثير من موظفي الدوام الكامل، لكن حرية الحركة تعوض عن ذلك.
العمل من أي مكان في العالم .. هل أستطيع أن أفعل ذلك فعلاً؟ أول المقتنعين بذلك كان الأستاذ إبراهيم عيسى حينما أسند لي مسؤولية قسم السيارات بجريدة التحرير، فقد كانت اختبارات السيارات من أماكن مختلفة حول العالم نقطة قوة دائمة بالصفحات الخمسة التي أنشرها أسبوعياً، كما أن الفصل الكامل بين القسم التحريري والقسم التسويقي المختص بالإعلانات ضمن لي أن أكتب ما أريد أن أكتبه فعلاً وليس ما يريد المعلن أن يقرأه، ولم يكن ذلك ليحدث سوى بتأمين الأستاذ إبراهيم عيسى لهذه المساحة من الحرية.
بمنتصف عام ٢٠١٥ حصلت على أول وظيفة “عن بعد” بشكل كامل، فبرغم أنني حتى إغلاق مكتب ياهو بدبي لم أدخله على الإطلاق، إلا أنني كنت كاتب تجارب السيارات والسفر لياهو الشرق الأوسط لعدة أشهر .. وكان لي مكاتب متعددة حول العالم .. من جبال الألب إلى بحيرة مهجورة بسلوفينيا إلى المدينة المحرمة في بكين .. لقد تحولت رسميًا إلي منتج محتوى وكاتب حر!
مع كل مؤتمر أو حدث أذهب إليه أو تتم دعوتي له أكتشف أسواقاً جديدة وفرص جديدة تجعلني أقول “كيف ظللت حبيس المكاتب طوال هذه الفترة!؟” .. كيف تركت كل هذه الحرية .. كيف تركت كل هذا الاستمتاع بمخاطر هذا التحول قبل فوائده؟
مع عدم الاستقرار الذي تتسم به وسائل الإعلام العربية، عملاقة الحجم منها مثل ياهو، والمحلية منها مثل جريدة التحرير، فكرت دائماً في إطلاق موقعي الخاص .. الذي أتحكم في محتواه وتوجهاته بنسبة ١٠٠٪ .. موقع تستطيع استقلاليته أن تضمن لي التسارع حينما أريد الجري والنمو حينما أريد التوسع .. هل هو موقع .. أم مدونة؟ لا أعرف .. لكنني من خلاله أخاطب القارئ .. القارئ فقط .. لا أكتب به مقالات مصممة لتعجب مدير تسويق معين بأحد الشركات أو شخصية علامة تجارية أريد العمل معها، فمع موقعي الخاص Travel and Drive اتبع الوصفة الكلاسيكية التي تقول أن الاهتمام بالمحتوى هي أساس كل شيء، وأن أراهن على أن المحتوى الفارغ من أي فائدة والمنتشر بشدة بالإعلام الرقمي لن يدوم طويلاً، أو على الأقل لن يحظى بالقدر نفسه من التقدير من المتابع الذي يستطيع أن يفرق بين المحتوى الجيد والمحتوى الفارغ.
بدأت هذه التجربة التي أصفها بالمغامرة، لأنشر منها محتوى تم كتابته وتصويره في أكثر من ٧٠ مدينة حول العالم حتى الآن .. ففي أي وقت، قد أكون في أي مكان، أفعل أي شيء، لإنتاج محتوى جديد لمشروعي الجديد Travel and Drive الذي أكتب من خلاله عن شيئين أعرفهما بشكل جيد .. السفر .. والسيارات، وهو بالنسبة لي ليس مجرد مشروع جديد، وإنما تعبير عن الاستقلالية و استغلال الحرية التي تتيحها التكنولوجيا في وجه الأنظمة الصدئة و بصمة الحضور والانصراف.