لماذا فشلت القنوات الإقليمية جماهيريًا؟ (2).. الإسكندرية

رباب طلعت

منذ أن طلت مجموعة القنوات الإقليمية، في شكلها الجديد، كـ”شبكة تلفزيون المحروسة”، في الأول من يونيو 2011، منتقلة من البث الأرضي، إلى القمر الصناعي المصري “نايل سات”، لتصبح واجهة إعلامية لمصر، كما صرح وقتها صلاح الدين مصطفى، رئيس قطاع القنوات الإقليمية باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهي لم تلقَ إقبالًا جماهيريًا كنظيراتها، من شبكات القنوات الخاصة، لعدد من الأسباب التي يرصدها “إعلام دوت أورج“.

 

تضم شبكة قنوات المحروسة 6 قنوات، ثانيهم “الإسكندرية”، أو كما عُرفت سابقًا بالقناة الخامسة، والتي تخدم محافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح ودمنهور، بدأ إرسالها في 12 ديسمبر 1990، وتبث من الإسكندرية.

 

نرشح لك: لماذا فشلت القنوات الإقليمية جماهيريًا؟ (1).. القاهرة

مشروع للهواة

منذ اللحظات الأولى لمشاهدة قناة “الإسكندرية”، لا يمكنك وصفها إلا بـ”مشروع للهواة”، فالتجربة أشبه بفكرة مجموعة من الشباب دون إمكانيات، قرروا عمل قناة خاصة بهم، “وزي ما تيجي”، فكم الأخطاء التي يمكنك التقاطها بمجرد النظر للشاشة، لا يمكن أن تشير إلى أنها فضائية يشرف عليها طاقم عمل “فاهم هو بيعمل إيه”.

فبمتابعة القنوات يوم السبت على سبيل المثال، تجد إحدى مراسلي القناة، يقف في الشارع وخلفه البحر، للحديث مع المارة على أهمية الرياضة، وبجانب أن الموضوع المختار “مش قد كده”، إلا أن الكارثة الأكبر تكمن في عدم ملاحظة المصور وطاقم العمل كله، أنه بدلًا من تحسين صورة إحدى المدن التي تعتبر مقصدًا سياحيًا، أظهرت الكاميرا في خلفية “الكادر” إحدى أعمدة الإضاءة المكسورة.

لم تكن تلك الملاحظة الوحيدة، فالقناة التي تخاطب 4 محافظات، وأُسست لتكن واجهة مصر على “النايل سات”، ما زال مراسلوها في الشارع يستخدمون ميكروفونات بـ”سلك”، في الوقت الذي يحمل فيه الهواة الذين يصورون فيديوهات ترفيهية على مواقع التواصل الاجتماعي يملكون الأخرى اللاسلكية الحديثة، بالإضافة إلى عدم وجود لوجو القناة عليه تارة، وظهوره تارة أخرى في نفس التقرير.

كذلك وقعت القناة في خطأ لا يمكن أن يحدث في عام 2017، ففي برنامج “شعبيات”، الذي اختارت مقدمته عرضه في إحدى المقاهي، للقاء أحد أصوات مدينة الإسكندرية، كان “ساقط صوت”، فأثناء غناء الضيف، كان من الواضح جدًا اختفاء صوته، وتشغيل الأغنية من خلف الكواليس، كذلك ظل الصوت فترة كبيرة “مخنوق”، وغير ظاهر، بل لا يصلح للاستماع.

مواهب ولا هلس؟

عقب انطلاق الحلقات الأولى من برنامج المواهب (Arab got talent)، على شاشة قنوات (mbc)، ظهرت أصوات الهجوم الموجهة للبرنامج، بسبب المتسابقين المصريين، عديمي المواهب، والذين رأوا أن القناة تتعمد الإساءة لصورة مصر، بالطبع فهم لم يشاهدوا مواهب قناة “الإسكندرية”، سواء كانت في برنامج “صوت الجامعة”، أو “أليكس ستار”، اللذان يفتقران إلى معرفة مفهوم “الموهبة” في مفهومها الحقيقي، فالأول تظهر فيه الأصوات ضعيفة وغير مدربة، في صورة تنسيك أن مصر أنجبت يومًا أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، والأخير، اعتمد على إظهار “هلس” المتقدمين، فالطفلة متعددة المواهب، التي بدأت البرنامج بإلقاء قصيدة لعمرو حسن، استطردت عرضها بفقرة غنائية، واختتمه بتمثيل مقطع من فيلم “شيء من الخوف”، الذي لم تكن تعلم اسمه، بل قدمته على إنه “جواز فؤادة من عتريس باطل”، وحولت المشهد لمشهد كوميدي ساخر لا علاقة له بالفيلم سوى أسماء الأبطال الذين قلدتهم، بأسلوب مبتذل، حاز على إعجاب لجنة التحكيم.

شريط الفضائح

لا يمكن وصف الشريط الإخباري الظاهر أسفل شاشة القناة، طوال اليوم سوى بـ”شريط الفضائح”، فكم الأخطاء الإملائية والنحوية التي تُعرض على الشاشة تؤكد أن محرري القناة “فاتهم درس العربي”، فبالإضافة إلى أنهم لا يراعوا الهمزات ووضع النقاط، فلا فرق عندهم بين “إلى”، و”الي”، فهم أيضًا “ساقطين إملاء”، فالمباحثات المصرية البحرينية، تحولت على الشريط إلى “المصرية البحرنية”.

 

ليس هذا فحسب، بل جهل المشرفون عليه، أهمية مراعاة تطابقه مع النشرة المقدمة على الشاشة، باللغتين الإنجليزية والفرنسية، فظل هو بالعربية، دون مراعاة أهمية جذب المشاهد بصريًا وسمعيًا، فعند ضياع خبر عليه، لم يسمعه من المذيعة، يقرأه أمامه على الشاشة، وبالطبع من يستمع للنشرة باللغات الأجنبية سيقرأها بها، فهو ليس أُمي يسمع ولا يقرأ.

كل يوم بوكلت؟

بالرغم من تكرار تصوير تقارير بشكل يومي طوال نفس الأسبوع من معرض الكتاب بالإسكندرية، لبرنامج “إسكندرية اليوم”، بنفس زوايا التصوير تقريبًا، إلا أن الأعجب كان تناول التقرير قضية نظام “البوكلت”، المطبق على طلاب الثانوية العامة، حديثًا، كأن المراسلة عثرت على مجموعة من الطلاب أثناء زيارتهم للمعرض، فوجدتها فرصة لعمل تقريرًا عنه، لكسر روتينية الحديث عن المعرض، الذي قال رواده نفس الرأي تقريبًا عنه، كأنهم “حافظين من ورقة”.

لم تكتفِ القناة، بعرض القضية في برنامج “إسكندرية اليوم”، بل أيضًا تناولت نفس القضية في برنامج “حوار اليوم”، يوم الاثنين، حيث اختص الحضور بتوضيح معالم النظام، وكيفية تطبيقه، وشرح طريقته للطلاب على الهواء.

تليفونات على الهوا

يبدو أن لضيوف قناة “الإسكندرية” نفس العلاقة الوطيدة، لمقدمي برامجها، مع “الموبايلات”، فبعد واقعة رن هاتف مقدمة برنامج “مع المسئول”، عدة مرات خلال الحلقة، وانشغالها بالنظر لمعرفة هوية المتصل، عن الكاميرا، حتى تدخل أحد العاملين وراء الكاميرا، واقترب منها ليأخذه بعيدًا عنها، “على الهواء”، رن هاتف مشرف غرفة عمليات مرور الإسكندرية، الذي حل ضيفًا على برنامج “خدمة الشعب”، ليخرجه من جيبه وينظر فيه، ويلطف المذيع الموقف بأنه “عادي” وشيء وارد.

أزمة مواعيد

في أغلب القنوات الفضائية تحرص إدارتها على تخصيص فريق مختص لاختيار المواعيد الأنسب لعرض برامجها، بحسب إحصائيات مدروسة، لاستهداف أكبر عدد من الجمهور، إلا أن في “الإسكندرية، فإن اختيار مواقيت عرض محتواها بـ”البركة”، ففيلم السهرة الأجنبي يبدأ بعد الـ12، وبرامج “التوك شو” يبدأ بعضها من بعد الثانية عصرًا، وتناقش قضية نظام “البوكلت” من قبل مختصين، يشرحونه للطلاب، في الـ11 مساءً، أي بعد الموعد الطبيعي لنوم الطلاب، استعدادًا لذهابهم للمدارس صباحًا.

فاصل مش إعلاني

يظهر المبرر الحقيقي، لقلة إمكانيات قناة “الإسكندرية”، في عدم وجود أية إعلانات على القناة، فعند إعلان مقدمي البرامج، عن التوقف للحظات للفاصل الإعلاني، تكتشف بعدها بثواني أنه “فاصل مش إعلاني”، وأنه مجرد شاشة في الأغلب إما قائمة بمواعيد البرامج، أو تتر البرنامج نفسه.

ليس ذلك وجه افتقار “الإسكندرية” الوحيد للإعلانات، بل إفلاس القناة لطرق الإعلان عن برامجها نفسها، فهي لا تروج للبرامج، أو تعرض بروموهات تجذب المشاهد ليقرر مشاهدة أحد البرامج من عدمه، بل تجبره على مقاطعتها تمامًا.

آلة زمن

يبدو أن “الإسكندرية”، تحتاج إلى آلة زمن، تنقلها من استديوهات الثمانينات إلى 2017، فديكورات القناة، مازالت محتفظة بالشكل الذي نشأت عليه أجيال الثمانينات والتسعينات، وقتما لم يكن هناك إلا القنوات الأرضية، بل أن فريق الإشراف على البرامج، في حاجة إلى أن يعي أن الألفية اختلفت والمشاهد لم يعد يقبل بأقل القليل، فهو يبحث للمقارنة بين الاستديوهات المختلفة، بألوانها وتقنياتها، ففي الوقت الذي يعرض برنامج كـ”المتاهة”، على شبكة قنوات (mbc)، وتقنيات غرفة أخبار (ON Live)، و(extra news) وديكورات “في الدوبلكس”، على (cbc)، وغيرهم من البرامج، تصدمك القناة الخامسة سابقًا بنفس شكلها منذ انطلاقها من 27 عامًا.

ليس ذلك فحسب، بل افتقرت القناة لتنوع استديوهاتها، فمكان تقديم النشرة الإخبارية، هو نفسه المستخدم لاستقبال الضيوف في بعض البرامج، وحين التغيير لآخر، “باين عليه الصرف”، في برنامج “راجل و2 ستات”، ظهر الضيوف وكأنهم “متخاصمين”، لتباعده المقاعد عن بعضها البعض، وكبر المساحة المتروكة بينهم.

كذلك فإن الأزمة ليست مقتصرة على الديكورات، “اللي من العصر الحجري”، بل أيضًا على طريقة عرض البرامج، فبرنامج كـ”صوت من الجامعة”، لا يضاهي برامج المواهب على الفضائيات، فـ”الأوركسترا”، الأشبه بـ”فرقة حسب الله”، التي تعزف للمواهب، التي تغني منعزلة تمامًا عن لجنة التحكيم، التي تحكم في أمرهم وتتحدث عنهم من بعيد، دون إفادة تلك المواهب حتى لو بالتدريب، والتشجيع.

ليس ذلك فقط، فمقدمي القناة لم تصل لهم أساليب التقديم الحديثة التي تظهر الإعلامي أكثر تفاعلية مع المشاهد، فعلى سبيل المثال في برنامج “أليكس ستار”، الذي تقدمه طفلة، تسعد للحظة الأولى لرؤيتها، لإعطاء الفرصة للأطفال للتعبير عن أنفسهم، ولكن بعد قليل تشعر وكأنك في ساحة مدرسة وما تقوله هي إذاعة الصباح، وأنها تقف على مسرح أشبه بذلك الذي أغلقت ستائره هند رستم في “إشاعة حب”، مع سعاد حسني وعمر الشريف، أما عن مذيعي الأخبار، فكان مقدمي النشرات باللغات الثلاثة العربية والإنجليزية والفرنسية، يقرءونها من الورقة، دون النظر للكاميرا، أو حتى جهاز الـ(Teleprompter)، التي باتت كافة القنوات الفضائية تعتمد عليه للتسهيل على مذيعيها.