نقلًا عن المصري اليوم
قبل أسبوعين، أصدرت محكمة الجنايات حكماً بمعاقبة أحد رجال الأعمال بالسجن المشدد مُدداً مجموعها سبع سنوات، بعد أن واجه اتهامات متعددة، منها حيازة مواد مخدرة، وارتداء ملابس نسائية فى منتجع سياحى، وممارسة وتصوير أعمال منافية وشاذة.
وعلى مدار أشهر متصلة، تابعت الصحف والمنصات الإلكترونية قضية رجل الأعمال منذ لحظة القبض عليه إلى الحكم، مروراً بمراحل التحقيقات المختلفة.
لرجل الأعمال الذى عاقبته المحكمة اسم مثبت فى بطاقته الشخصية حمله طوال عمره منذ أن استخرج له والده شهادة ميلاد، ونطق به رئيس المحكمة وهو يتلو حكمه حين قال كالمعتاد: قررت المحكمة معاقبة «فلان» بالسجن.
لكن المتابعات الصحفية للقضية نسيت اسمه، الذى لم يظهر إلا نادراً جداً فى عناوين القصص المنشورة عن القضية، كما تجاهلت صفته الوظيفية التى من المفترض أن يُنسب لها أى مواطن، وهو فى هذه الحالة رجل أعمال بكل ما قد تحمله هذه الكلمة من انطباعات فى الأذهان، فلم تقرأ عناوين تقول: «السجن لفلان» أو «الجنايات تعاقب رجل الأعمال فلانا»، وإنما ظل العنوان الثابت يحمل صفة منتهية للمتهم، ويربط بإصرار واضح بينه وبين فنانة «كانت» زوجته قبل كل تلك الوقائع بسنوات.
عندما تكتب أى إشارة عن هذه القضية على محرك البحث، ستجد النتائج تتحرك بإصرار فى اتجاه هذا الربط:
(القبض على «طليق الفنانة فلانة» فى وضع مخل).
(التحريات تكشف تورط «طليق الفنانة فلانة» فى أعمال منافية).
(«طليق الفنانة فلانة» يطعن على تقرير الطب الشرعى).
(محامى «طليق الفنانة فلانة» يطلب عرض موكله على الطب النفسى).
(إحالة «طليق الفنانة فلانة» لمحكمة الجنايات).
(السجن المشدد 7 سنوات لـ«طليق الفنانة فلانة»).
(القصة الكاملة لتورط «طليق الفنانة فلانة» فى الأعمال المنافية).
(شاهد قبل الحذف: «طليق الفنانة فلانة» بملابس نسائية على شاطئ شرم الشيخ).
(7 اعترافات ساخنة لطباخ «طليق الفنانة فلانة» حول الشذوذ والمخدرات والملابس الحريمى).
كانت المحكمة تُحاكم المتهم وتنظر فى وقائع القضية دون أن تصادف فى أوراقها أى ذكر لاسم الفنانة الشهيرة، أو أى علاقة تربطها بما يواجهه طليقها من اتهامات، لكن الصحف والمواقع بدت وكأنها تحاكم الفنانة نفسها على جريمة لم ترتكبها بإلصاق اسمها فى القضية فى كل العناوين كما لو كانت متهمة.
لك أن تتخيل إن حاولت الفنانة الشهيرة البحث عن اسمها على شبكة الإنترنت، أو حاول أحد المعجبين بها ذلك، ستجد المعلومات الأخرى عنها سواء كانت أدوارها وأعمالها الفنية، أو حتى الجدل الذى صاحب اعتزالها الفن وارتداءها الحجاب، والعودة لمواصلة مسيرتها الفنية بتحسُّب امرأة محجبة، كلها معلومات غارقة وسط طوفان من الأخبار عن قضايا طليقها مربوطة باسمها، تتصدر نتائج البحث عنها.
وعندما تقرأ خبراً إيجابياً عنها أو يحمل أى تفاصيل تخصها وتخص نشاطها، تجد فى ملفات الارتباط أخباراً مرفقة تحمل اسمها، بينما تتحدث عن قضايا طليقها التى لا تخصها، ومحفزات القراءة تؤسس لك: «اقرأ أيضاً» و«أخبار أخرى عن فلانة».
اسم الفنانة الشهيرة بالقطع أهم وأكثر جذباً للقراء و«الترافيك» من اسم طليقها، حتى لو كان السياق يتضمن معلومات عن أحد محاور الإثارة الصفراء التقليدية «الجنس» فى إطاره الشاذ، و«المال» باعتبار المتهم رجل أعمال، لكن ربط كل ذلك باسم الفنانة الشهيرة حتى تتضاءل كل محاور الإثارة أمام التشبث بربط القصص الصحفية حول القضية باسمها لا يمثل فقط انحرافا مهنيا بقدر ما يشكل لغزاً غامضاً فى الممارسة.
دعك من طموحات كثيرة حول ما هو مفترض من وسائل للتعاطى مع الجرائم وأسماء المتهمين وهوياتهم وحماية أسرهم وأطفالهم، لكن بمعيار تقليدى لصحافة فضائح مكتملة الأركان: ما علاقة اسم الفنانة الشهيرة بالموضوع حتى يحجز مكاناً واثقاً فى كل العناوين؟
إذا كان «الترافيك» مبرراً عند البعض بمبدأ «الغاية التى تبرر الوسيلة».. فكل القصص المشابهة التى تدور فى ذات السياق من قضايا مخدرات و«عناتيل» وشذوذ، كان المتهمون فيها غير معروفين تماماً، ولا علاقات سابقة لهم بفنانات أو فنانين أو مشاهير عموماً، وحققت أكثر بكثير من مقروئية أخبار طليق الفنانة الشهيرة.
لماذا يُنسب رجل لطليقته إلى حد التشهير باسم امرأة بـ«حشره» فى قصص عن أعمال منافية لمجرد أن رجلا «كان» زوجها طرف فى تلك القصص؟
«الترافيك» وحده ليس مبرراً مقنعاً..!