وفاة كابتن غزالي .. ومين هيعيش يحكي قصتنا؟

فاتن الوكيل

“أدب المقاومة إن كل واحد يبقى له وجهة نظر ضد القبح والفساد”.. هكذا رأى الكابتن غزالي مفهوم “أدب المقاومة”. “غزالي” الذي اشتهرت أشعاره ضد الاحتلال الإسرائيلي عقب 1967، وخلال الحرب، وبعدها، وحتى الآن. أدب المقاومة بالنسبة له لا يعني الغناء وقت الحرب، والحرب لا تنحصر في المواجهة المسلحة بين مصر وإسرائيل فقط، لكن المقاومة تعني مواجهة الفساد والقبح أيضا.

واليوم 2 إبريل 2017، يتوفى”محمد أحمد غزالي”، الشهير بـ كابتن غزالي، اكتسب لقبه من عشقه للرياضة وتفوقه فيها، خاصة رياضة المصارعة، وأكد خلال حوار تلفزيوني سابق أن أغلب شباب السويس قديما كان يطلق عليهم “كابتن” لممارسة أغلبيتهم للرياضات المختلفة.

 

السويس.. بلد الغريب التي احتوت طفولة كابتن غزالي. عرفته معنى المقاومة صغيرا، ضد الانجليز، نشأ في مدينة رغم الإهمال الكبير الذي تعرضت ومازالت تتعرض له، إلا أنها شكلت وجدانه، مع كثرة الأضرحة وأقدم الأديرة فيها، بالإضافة إلى تعاقب الحروب على المدينة الصغيرة. عاصر الحرب العالمية الثانية وشارك ضد الصهاينة في حرب فلسطين 1948، بالإضافة إلى مشاركته في صد العدوان الثلاثي عن المدينة.

اسمع يا إسرائيلي .. بحق وطني وديني.. وثقتي اللي في زعيمي.. في قنالي مش هتمر هتشوف من عزمي المر

عاش كابتن غزالي هو وشباب السويس في صراع دائم للحصول على حقهم في الحياة، ثم جاءت صدمة النكسة 1967. الهزيمة التي آلمت مصر، كان لها وقع خاص على شباب السويس، الذي لا يعرف الهزيمة، لكن الأزمة مع المقاوم تتحول إلى إبداع جديد، ومن هنا ولدت “أولاد الأرض”.

كان لازم نموت وكان لازم نهاجر.. ونسيب مكاننا للبيوت تشب وتعافر

للمقاومة الشعبية معنى مختلف عندما تحدث عنها كابتن غزالي، فعقب النكسة تمكن هو مع أهالي السويس من منع دخول القوات الإسرائيلية إلى المدينة بـ”السقفة” بعد أن كونوا جماعات لإصدار الضجيج، أشعرت العدو أن أعداد كبيرة من المقاومين في انتظارهم، وهنا قرر العدو عدم اقتحام المدينة والتمركز عند لسان بورتوفيق. حتى استطاع الجيش ترتيب صفوفه من جديد وبدأت حرب الاستنزاف المجيدة.

عضم اخواتنا نلمه نلمه.. نسنه نسنه.. ونعمل منه مدافع وندافع ونجيب النصر هدية لمصر

الغناء وقت الحرب كان استدعاء لأداء الواجب الوطني، أرادوا أن يخلقوا حياة وقت الحرب. في البداية كان اسم الفرقة “فرقة البطانية”، حيث كانوا يفترشون شوارع السويس والغناء للسلاح والحرية، ثم تحولت إلى فرقة “اولاد الأرض”، حتى استطاع صوتهم أن يخرج من حدود المدينة المقاومة إلى باقي أنحاء الجمهورية.

تجاوز دور الفرقة الغناء لتشجيع الجنود والشعب على الحرب، لكن أيضا أصبح لهم دورا خدميا لأهالي السويس، حيث وجد “غزالي” أن بعض الأغاني التي يكتبها بصفته مثقف، تكون صعبة على الشباب، ومن هنا أنشات الفرقة فصولا لمحو أمية العشرات من الأهالي.

الغُنا هوّن مسافة الزمن حتى قدوم النصر في 1973. أصبحت السويس “مغناطيس” المقاومين من كل أنحاء مصر، ومع كل الحروب والمعارك التي شهدها كابتن غزالي، استطاع الفلاحين والغرباء عن المدينة أن يُدهشوا “غزالي” بشجاعتهم وبسالتهم في القتال، حكايات التضحية أضافت المزيد من الإبداع الفني، وجدير بالذكر أن الكثير من أغاني المقاومة التي اشتهر الفنان محمد منير بغنائها كانت من كلمات كابتن غزالي.

اطلعي م الريف كتايب على الحدود.. اقلقي نوم المدينة بالبارود..

وأمرينا كلنا بأمرك نطيع ..

ده انتي مصر حلمنا فوق الجميع

الآن لا حرب مسلحة مع إسرائيل، لكن مازالت الخنادق تُحفر والبنادق في أيدي الجنود حتى الآن، بالأمس كانت ضد الصهاينة، واليوم ضد الإرهاب في سيناء، صوت كابتن غزالي وأغانيه صالحة في كل زمن، لأنها أغاني تحكي قصة شعب مقاوم، ضد عدو “صريح” مرة، وضد فساد وإهمال وإرهاب مرات عديدة… اليوم غاب كابتن غزالي وذهب لأصدقائه رفاق السلاح والشعر والغناء والأحلام بالنصر وترك لنا أغاني هي زادنا نحو الحلم الباقي بالحرية.

ومين عاش يا رفاقة يحكي قصتنا .. عافرنا وعافرنا ولسة سكتنا ضبابية