حياة الإنسان المهنية أراها الوجه الآخر الأهم لحياته الشخصية، فبصمة الإنسان في الدنيا في نظري تأتي قيمتها فيما يتركه مؤثراً للآخرين وفيهم مهنياً وإنسانياً، ويحكم هذا وذاك رؤية كل منا للحياة ومدى استيعابه لقواعدها، وأولها وأهمها أن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن حياتنا بأيدينا، فمن يتمتع بإرادة الحياة صار يملك زمامها، ومن لا تتوفر له هذه الإرادة صار يحيى وفقط، وقلة من البشر هم من يعيشون الحياة بحق، هؤلاء هم أصحاب التفوق الاستثنائي، ينجح العديد والعديد منا في كل المجالات، ويتميز كثرة تبقى أقل مقارنة بهؤلاء الناجحين، أما صحبة التفوق الاستثنائي، فهي دائماً القلة القليلة المحلقة بعيداً خارج التصنيف.
من هؤلاء في مجال الفن، علي الحجار، وأذكر اسمه هكذا دون أية ألقاب، لإنني بالفعل أرى اسمه صار مدونة لكل ما قد يرد بخاطري من ألقاب، وتقبلوا مني بصدر رحب صوفية الحالة التي أعيشها معه هنا، فحظي مع الرجل أن علاقتي به كمستمع بدأت وثيقة، وتمتد الآن لما يجاوز الثلاثة عقود، فصرت صوفياً منتمياً لفنه بقدر صوفيته هو مع فنه وانتمائه لجمهوره الموالي له سنوات وراء سنوات وسط أمواج هادرة صاخبة، مهما علت تعود فتقف انتباهاً وتعظيماً، لمن استطاع قيادة دفة فنه في مهب ريحها، كما أبعد بنفسي هنا عن استخدام عبارات التفضيل، فالأمر عندي علي الحجار وكفى بكل انحياز.
في حضرته الشهرية بساقية الصاوي، والممتدة الآن لأكثر من السنوات العشرة في موعد ثابت، الأربعاء الأخير من كل شهر، يحرص علي الحجار على مفاجأة جمهوره كلما استطاع لذلك سبيلاً، وفي حفله الأخير الأسبوع الماضي، تعددت مفاجآته، وبدأها بعد أغنية الافتتاح، بإعلانه أن حفله الشهري هناك صار حفلين شهرياً اعتباراً من أقرب وقت ممكن حال انتهاء الساقية من الترتيبات اللازمة، ولم يكن هنا إلا ملبياً لنداء جمهور عاشق ذواق زاد إقباله على حضور حفله الشهري، إلى حد نفاذ تذاكره في زمن قياسي لا يتجاوز يوماً واحداً بمجرد طرحها، خاصة وأن قاعات الساقية سعتها ليست كبيرة بالقدر الكافي لاستيعاب دراويش علي الحجار.
وزاد على هذا، فأكد أن حفله الشهري الإضافي، سوف يخصص عدداً كبيراً من مقاعده لطلاب المدارس والجامعات، وبأسعار مناسبة لهم، بعدها مباشرة، وفي انسجام تام في التواصل فيما بينه وبين جمهوره وفرقته الموسيقية المتألقة، الصوفية هي الأخرى بالتبادل في عشق فنه وجمهوره، فاجأه الجمهور بالتنسيق مع فرقته بغناء هابي بيرث داي تو يو، احتفالاً مقدماً بعيد ميلاده الموافق اليوم الثلاثاء الرابع من إبريل، وفي رد سريع للهدية، أضفى على بقية الحفل أجواءً خيالية ساحرة، علت فيها الفرحة وجوه الجميع، وسرت البهجة تجدد أرواح الحاضرين، خاصة بعدما ذهب بعض جمهوره في الاستراحة، وعاد فأهداه تورتة عيد الميلاد مع بداية الفاصل الثاني.
نرشح لك: “ست الكل” أغنية جديدة لعلي الحجار بعيد الأم
وفي مفاجأة أخرى له، استطلع علي الحجار رأي دراويشه الحاضرين بشأن ألبومه الجديد، وهل يطلقه كاملاً من خلال حفل توقيع بساقية الصاوي؟.. أم ينشره أغنية وراء أخرى تباعاً على قناته على اليوتيوب وفقاً لنصائح كبرى الشركات المنتجة والموزعة خوفاً من سرقته وقرصنته وتزويره حال إطلاقه كاملاً مرة واحدة؟.. ومع حيرة جمهوره، اختار هو مفاجأة الجميع بتقديم أغنيات الألبوم مباشرة في نفس الحفل، والرسالة هنا أن فنه وجمهوره أهم في كل الأحوال، وكانت إحدى مفاجآت علي الحجار في حفل سابق، أن أهدى جموع الحاضرين ألبوماً يحمل توقيعه، ويضم أغنيات المسلسلات التي تشكل فصلاً هاماً ومميزاً في تاريخه وتاريخ الدراما المصرية معاً.
لست متخصصاً، وأكتب هنا فقط من موقع المتذوق الصوفي العاشق.. لماذا علي الحجار؟.. أجيبك ببساطة.. لأن صوته يقفز بي حين يغني فرحاً، مثلما يشجيني حين يقطر حزناً، كما أنه لا يغني والسلام، هو فقط يغني أو لا يغني، فأنا أحرص على حضور حفلاته هناك في الساقية منذ سنوات، وقد يكون في هذا الشهر أو ذاك مريضاً، وقتها قد يقصر زمن الحفل عن المعتاد، أو يطول وقت الاستراحة، أو تقل عدد الأغنيات ذات الوزن الثقيل في الأداء، ولكنك أبداً لن تضبطه متلبساً بالغناء تأدية واجب، كل مقطع، وكل جملة، وكل كلمة ترن مسموعة في أذن جمهوره حتى آخر حرف كما تعودها.
أزيدك فأذكرني وإياك، أنه تربى فنياً ووجدانياً وإنسانياً على يد والده إبراهيم الحجار، المشهود له مهنياً وإنسانياً، وقدمه عبقري الموسيقى الشرقية بليغ حمدي، مكتشفه وراعي بداياته الفنية، واجتمع على حنجرته الذهبية عمالقة الموسيقى محمد الموجي وسيد مكاوي وعمار الشريعي وعمر خيرت، وفي صحبة جهابذة العامية الأفذاذ، ملوك الكلمة المغناة، صلاح جاهين وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، وما بين سهرت أو جفنه لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وداري العيون لسابق عصره محمد فوزي، ومروراً بحانة الأقدار لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، يذكرك علي الحجار من حفل لآخر، وعلى طريقته الخاصة، أنه بيننا امتداد لهؤلاء ممن أعلوا قيمة الفن.
ولإنه مجدد في فنه، يهتم بتواصل الأجيال، فتجده تعاون مع الموسيقيين الكبار هاني شنودة وعزت أبو عوف وأحمد الحجار وحسين ومودي الإمام وفاروق الشرنوبي وحمدي رؤوف وياسر عبد الرحمن، وحتى آخر عنقود المبدعين أحمد حمدي رؤوف ومادو، وفي الشعر لم يكن أولهم الكبار عبد الرحيم منصور وعصام عبد الله وجمال بخيت وإبراهيم عبد الفتاح، ولن يكون آخرهم المتجدد طارق زرمبة أو الواعد سالم الشهباني، وغير أولئك وهؤلاء سلسلة طويلة من المبدعين، ومنذ زمن بعيد، وبعد حصيلة كافية من التجارب والخبرات، اختار علي الحجار أن ينتج لنفسه، أن يصرف على فنه من جيبه، حتى لا يخضع وفنه يوماً إلى لغة السوق.
وعن مسئوليته المجتمعية كفنان، دعني أحدثك قليلاً، فأنت تجده داعماً في حملة إعلانية لمستشفى سرطان الأطفال 57357، وفي أخرى لمستشفى أطفال أبو الريش، مستخدماً أغنيته الشهيرة للأطفال يا أبو الريش، والتي يصف خلالها على إيقاع البهجة، حياة الحيوانات وأحوالهم معاً، متلاعباً بطبقات صوته الذهبي، ومقلداً لصيحة هذا الحيوان أو ذاك، ومن سوهاج ضيفاً على أهل الصعيد الكرام في مارس الماضي، من أجل دعم الدورة التدريبية الأولى لأكاديمية الدستور الإعلامية، والموجهة لطلاب الصحافة الصعايدة، في مبادرة تستحق عليها جريدة الدستور كل الإشادة، إلى جذوره في بني سويف في العشرين من إبريل الحالي لإحياء حفل خاص، يوجه عائده إلى ذوي الاحتياجات الخاصة.
علي الحجار فنان وإنسان قيمته من قيمتي الاحترام والاحتراف، بكل ما للمعاني من مرادفات، اختار أن يؤدي رسالة، منهجه فيها وصية والده رحمة الله عليه، أن يقدم فناً يعيش بعد أن يغيبه القدر، وليس فناً يموت في حياته أمام عينيه، ونشهد نحن دراويشه، أنه طوال عمره الفني، آمن بالرسالة بقوة، والتزم المنهج بإصرار، ولم يفرط في الأمانة، بل زادها مهنياً وإنسانياً، بدأ وانطلق ونضج واستمر ويتألق إلى حد التوهج، وإن كنا في زمن عزت فيه القيم، فليس أقل من أن نتوقف بالتقدير والاحتفاء عند قيمته وفنه وعطائه في كل وقت، وخاصة في يوم ميلاده.. كل سنة وانت طيب يا فنان.