تنظم ألمانيا عمليات ترحيل جماعي لطالبي اللجوء الافغان والذين معظمهم من الشباب إلى بلادهم، والي أحد هؤلاء الشباب، الذي سيرحل رغم الحرب في مدينته. وهذا لم يغضب والي فحسب، بل زملائه أيضا، ما دفعهم للقيام بهذه المبادرة.
“مانويل نوير هو أفضل حارس مرمى على الإطلاق” هذا ما قاله والي بالألمانية وهو مسرور لأنه تمكن من ذكر الكلمات بشكل صحيح. فحارس مرمى المنتخب الألماني هو مثله الأعلى. عندما يمارس والي رياضة كرة القدم يكون في قمة السعادة، فهو يؤكد لزميله في المدرسة فينسنت راو الألمانية أن “الرياضة هي أفضل وسيلة للاندماج ولكن إلى متى؟”
قلق ودموع غضب
ينبغي على والي العودة إلى أفغانستان. في شقته المؤلفة من غرفة واحدة في إحدى المباني الشاهقة في مدينة كوتبوس، ينام والي كل ليلة في مكان مختلف، فهو يعيش في قلق كبير، إذ يخشى كثيرا من أن “يصطحبونه ليلا”. قرار ترحيل والي لم يغضبه فحسب، بل أغضب حتى أصدقائه حسبما يروي فانسينت: “عندما جاء قرار ترحيله بكيت من شدة الغضب” .
والي (19 عاما)، من إقليم قندوز وزميله الألماني فينسنت (17 عاما) من مدينة كوتبوس، وقد تعرفا على بعضهما البعض منذ أكثر من عام. عندما قررت إدارة مدرسة فالدور، وهي مدرسة خاصة قبول عشرة تلاميذ من اللاجئين الشباب. وكان والي واحدا من هؤلاء الشباب: “هنا في كوتبوس تعلمت القراءة والكتابة”.
ترحيل رغم الخطر!
في موطن والي، إقليم قندوز المتصارع عليه في شمال أفغانستان، تمركز الجيش الألماني لعشر سنوات، وذلك في إطار مهمة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان. لم يشهد أي إقليم أخر مقتل المزيد من الجنود الألمان كالذي شهده هذا الإقليم. عام 2013 تم إخلاء المخيم العسكري للجيش الألماني بدون أن ينتهي الصراع ويحل السلام في قندوز.
في العاميين الماضيين اكتسحت طالبان مرتين عاصمة الإقليم والتي تحمل نفس اسمه. وبدعم جوي أمريكي فقط، تمكنت قوات أفغانية خاصة من استعادة قندوز. أصابت إحدى هذه الغارات الجوية وتحديدا في 3 تشرين الأول /أكتوبر عام 2015، مشفى تابع لمنظمة الإغاثة “أطبار بلا حدود”، ما أدى إلى مصرع 42 شخصا منهم أطباء ومرضى.
حلمه أن يصبح ميكانيكي سيارات
تربى والي في عائلة كبيرة مؤلفة من 9 إخوة. في شهر آب/أغسطس عام 2015 بدأ رحلة الهروب إلى أوروبا مع أخويه الأكبر، من أفغانستان مرورا بإيران إلى تركيا ليصلوا بعد ذلك إلى بلغاريا وصربيا والنمسا وبعدها إلى ألمانيا . تبلغ تكلفة رحلة كهذه حوالي 6000 دولار يتم دفعها للمهربين.
والي وحده الذي وصل إلى أوروبا، إذ فقد أخويه أثناء عبور منطقة جبلية في تركيا، وهو لا يعرف مكانهما. وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 تم تسجيله في برلين. وهو يحلم بأن يتعلم مهنة ميكانيكا سيارات.
لم ينس الشاب الأفغاني عائلته، وهو يريد أن يرسل مالا لأسرته، لكنه لا يعرف عنهم أي شيء: “منذ سبعة أشهر لم أسمع أي شيء عن أهلي وإخوتي، ولا أعلم ما إذا كانوا في قندوز حتى الآن”.
في جلسة الاستماع لأسباب لجوئه، أكد والي بأنه مهدد من حركة طالبان، فهم كانوا يريدون تجنيده وإخوته قسريا. لم يصدق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين ما قاله والي واعتبروا أن قدومه يعود لأسباب اقتصادية. في 21 شباط/فبراير 2017 أصدرت السلطات الألمانية قرارا بترحيله. قرار الحكومة الألمانية ينطلق من أن “هناك مناطق آمنة في أفغانستان يمكن ترحيل والي إليها”.
حملة ضد ترحيل اللاجئين
لم يتمكن زملاء والي في المدرسة من إدراك سبب ذلك ومن بينهم فينسنت “لازالت الحرب تدور وهناك هجمات شبه يومية واختطافات”. قرار الترحيل لم يقتصر على والي فحسب، بل طالت زميلين أفغانيين آخرين تلقوا أيضا قرار ترحيلهم من ألمانيا.
حتى بالنسبة لمايا زيلك، فإن أمر الترحيل المفاجئ أثار اهتمامها: “هذا الأمر لا يمكن إغفاله، وبمجرد التفكير به أتخيل صورا مؤلم”. فمايا تفكر في صور الضحايا والجرحى بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في كابول، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين في مطلع العالم الحالي 2017″ من المؤلم جدا. التفكير بما يمكن أن يحدث مع زملائنا، لو توجب عليهم العودة”.
هذا الأمر، دفع تلاميذ مدرسة فالدورف في مدينة كوتبوس إلى إطلاق عريضة احتجاج على الموقع الالكتروني “change.org” والهدف منها إيقاف الترحيل. حتى الآن، وصل عدد الموقعين على هذه العريضة إلى 70 ألف شخص، وقام الطلاب بجمع مال من أجل تكاليف المحامين، ليتمكن زملاؤهم الأفغان من الطعن ضد قرار الترحيل.
قضية اللاجئين تقسم ألمانيا!
تستعد ألمانيا لانتخابات برلمانية جديدة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل. وشعبية الأحزاب اليمينية مثل “الحزب البديل لأجل ألمانيا” في ازدياد. وتعد سياسة اللاجئين من القضايا المهمة في الانتخابات. ومن المفترض أن تكون عمليات الترحيل إشارة موجهة نحو الداخل والخارج. وهي أن على الأفغان البقاء في بلادهم والمساعدة في إعادة بناء بلدهم. أما الإشارة الموجهة للألمان فهي أن هناك حدود لاستقبال اللاجئين. علما أن سياسة الترحيل تنطبق بشدة على الشباب الأفغان مثل والي.
رفضت وزارة الداخلية الألمانية في ولاية براندنبورغ، والتي تنتمي إليها مدينة كوتبوس، التعليق على استفسار مؤسسة دويتشه فيله حول قضية ترحيل والي، مشيرة إلى أن المسؤولية تقع على عاتق دائرة الأجانب في كوتبوس. وأجاب يان غولسمان المتحدث باسم بلدية كوتبوس بالقول”هناك بعض الحالات التي يكون فيها الأمر مؤسف للغاية”. ولكن الإطار القانوني للترحيل يتم تحديده من قبل الاتحاد. ولا يمكن لمدينته أن تستمر بالتعاطف مع القضايا المتعلقة بالترحيل، بل لا بد من تطبيق القوانين “أعتقد أن ذلك خطوة نحو تعلم الديمقراطية”.
ترحيل تبعا للولاية!
وتختلف الحالات التي يسمح فيها للاجئين البقاء في ألمانيا تبعا للولاية. بعض الولايات الألمانية قاطعت عمليات الترحيل الجماعي، الذي نظمه الاتحاد بحق اللاجئين الأفغان منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وولاية براندبورغ من الولايات التي تدعم الترحيل.
ومن جانب آخر، تشهد أعداد الجرائم اليمينية والعنصرية ارتفاعا حادا . ووفقا لوزارة الداخلية، فإن الشرطة سجلت في العام الماضي 2016، أكثر من 250 عملية اعتداء على اللاجئين وطالبي اللجوء. تزيد عمليات الاعتداء ثلاث مرات عن تلك التي تم تسجيلها في عام 2015 وتعد كوتبوس من بين أكثر المدن التي تشهد علميات اعتداء من هذا النوع.
“قلبي ينشرح بمساعدة أصدقائي“
ويستعد تلاميذ مدرسة فالدورف للحظات الحاسمة، إذ يفكرون جديا بما يمكن القيام به، إذا ما جاءت الشرطة ليلا لتنفيذ قرار الترحيل.
ولعل أكثر ما أذهل فينست هو العداء ضد اللاجئين من قبل البعض، ففي عريضة أخرى على الانترنت معارضة للحملة التي قام بها تلاميذ مدرسة فالدورف كتب أحدهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “علينا جميعا أن نغرق في موجة اللاجئين”. بينما يعتبر كثيرون أن “جميع اللاجئين هم انتهازيون وأن ألمانيا في طريقها نحو الإفلاس، وأن كثيرين منهم يخافون من الإسلام”على حد اعتبار مايا.
ينصت والي بصمت إلى المناقشات التي تدور بين زملائه في مكتبة المدرسة، فهو لا يفهم سوى القليل منها، وهو يعبر عن امتنانه لمساعدة أصدقائه بشكرهم بلغة بلده الأم ” قلبي ينشرح كثيرا، عندما أرى كيف يسعى أصدقائي لمساعدتي”. علما أن والي محمي من الترحيل، إلى أن يصدر القرار النهائي بشأن طعنه في قرار ترحيله.