منذ مائة سنة.. وبالتحديد فى الأول من شهر إبريل عام 1917.. كان الصحفى الكبير إبراهيم علام فى محل جواهرجى «شيفيلد» فى شارع ثروت لاختيار الكأس التى سيجرى تقديمها لأول نادٍ سيفوز بالكأس السلطانية فى أول مواسمها.. هكذا طلب منه ميدويل، نائب مدير تحرير جريدة «الإيجيبشيان ميل»، وأخبره بانتقاء الكأس التى يراها مناسبة ولائقة باسم السلطان، على أن يطلب من الجواهرجى إرسال الفاتورة إلى سراى عابدين..
وبالفعل وجد إبراهيم علام لدى الجواهرجى الاستعداد الكامل والتعليمات بتسهيل مهمة علام الذى انتقى الكأس، وتم نقش شعار السلطان فوقها، واسم البطولة، ثم حملها معه ذاهباً إلى مكتب ميدويل.. وهكذا.. بدأت وانطلقت بطولة الكأس السلطانية التى يمكن اعتبارها أول بطولة كروية رسمية حقيقية فى تاريخ مصر، رغم أنه لم يشارك فى موسمها الأول إلا المختلط، كناد وحيد من مصر، وأدى مباريات رائعة، ونجح فى التأهل للدور النهائى، لكن الذى فاز بالكأس الأولى كان فريق سلاح الإشارة الإنجليزى.. وفوجئ الجميع بعد انتهاء الموسم الأول بأنهم أمام بطولة جادة وحقيقية ورسمية، تحمل اسم سلطان البلاد وتحت رعايته، وأن هناك كأسا بالفعل ينالها الفريق الفائز.. فأقبلت أندية مصرية كثيرة تعلن رغبتها فى المشاركة فى الموسم الثانى..
كذلك تأكد الأهلى أنها بطولة مصرية حتى إن شاركت فيها فرق إنجليزية.. لكنها تحمل رسميا اسم سلطان مصر ويديرها مصرى هو إبراهيم علام.. فكان قرار الأهلى هو المشاركة أيضا فى الموسم الثانى للبطولة.. وهكذا كبرت البطولة ونجحت واستمرت حتى بعد رحيل السلطان حسين.. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التى كانت سببا فى انطلاق هذه البطولة أصلا.. وكانت لها حكاياتها ومفاجآتها ونصيبها من مسار وتاريخ وتحولات كرة القدم فى مصر.. وقد كانت هذه البطولة منذ انطلاقها وفى مواسمها التالية نتائج درامية فى مسار الكرة المصرية، أهمها كان الجمهور الذى عرف أخيرا طعم وحلاوة المباريات الرسمية والترقب والقلق والتنافس واللعب من أجل الفوز والكأس فى النهاية، وليس مجرد اللعب الودى من أجل المتعة، والذى فقد الكثير من قيمته ورونقه بعد مباريات الكأس السلطانية.. وكانت هذه البطولة ومبارياتها الرسمية سبباً رئيسًا فى اكتساب كرة القدم فى مصر مزيدا من الشعبية وتعلق جمهور جديد بها..
كما أدى اللعب رسميا أمام الفرق الإنجليزية إلى تطوير حقيقى فى أسلوب وتكتيك اللعب المصرى، وبدأت الفرق المصرية تعرف وتتعلم كيف ومتى تدافع أو تهاجم.. ومثلما اهتمت الصحافة الإنجليزية بهذه البطولة المقامة فى القاهرة وأشادت بمستوى اللعب، سواء الذى يقدمه الجنود والضباط الإنجليز أو اللاعبون المصريون فى فريق المختلط، كانت هذه البطولة أيضا بمثابة الدعوة للصحافة المصرية لتبدأ التفاتها لمباريات الكرة ووقائعها ونتائجها.. فقد كانت هناك نتائج لمباريات رسمية يريد الجمهور معرفتها، وكان هناك لعب وسباق من أجل كأس تحمل اسم السلطان.. بدأت تلتفت لهذه البطولة ومبارياتها ووقائعها ونتائجها.. ولم يقتصر تأثير بطولة الكأس السلطانية فقط على الصحافة المصرية وبدء اهتمامها الحقيقى والتفاتها لكرة القدم فى مصر.