حسين عثمان يكتب : الوطن واحد والمصير واحد‎

إن الإنسانية كل الإنسانية، أن يطابق سلوك الإنسان الأفكار التي يؤمن بها، وفي حياة كل منا لحظة اختبار، هي بكل المقاييس اللحظة الحرجة، التي نصادفها مرة أو مرات، لنتوقف مع أنفسنا لنقرر ونختار، ما بين الاستقامة والمصداقية، إذا طابق سلوكنا معتقداتنا، أو الانحراف بالنفس جهلاً أو كذباً أو نفاقاً، أو طمعاً في جاه أو ثروة أو محسوبية، وفرق كبير بين إرادة الحياة في الحالة الأولى، حين يملك الإنسان نفسه وإرادته وقراره، فيعيش طيب السيرة والذكر حتى وإن مات، بما تركه من بصمة أو بصمات، وبين الحياة والسلام، حين يذهب العمر بلا هوية، فيعيش الإنسان يبيع نفسه قبل عمره، حتى يعلوه الصدأ، فيموت وهو حي يرزق.
 
نعيش جميعاً هذه الأيام لحظة حرجة واحدة، وفي نفس التوقيت، فرضها علينا في أسبوع الآلام، الهجوم الإرهابي الغادر المتزامن، على كنيستي مار جرجس بطنطا، ومار مرقص بالإسكندرية، واللحظة مصيرية بكل المقاييس، والاختبار ليس إلا إنساني بحت، في وصفه الأولي وفي تفاصيله الدقيقة، ولينفرد كل منا بنفسه بعيداً، يراجعها دون ضغوط أو أي تأثير من أي نوع، افعلها فقط بينك وبين ربك، فلن يكون حسابك الختامي إلا معه، ضع نفسك أمامك برفق ولا تقسو عليها، فقط اسألها واسمع منها، ثم اسألها واسمع منها، افعلها مرات ومرات، حتى تصل بكل يقين إلى أحد الخيارين المنفردين، هل تعيش في الدنيا إنساناً حقاً؟!.. أم تموت فيها وأنت حي ترزق؟!.
 
هل نحاول معاً؟.. دعنا نبدأ باللحظة الحاضرة، وانتبه هنا إلى أنني لم أصفها إلا بالحاضرة، حرصاً على عدم توجيه ذهنك في الإجابة، فقط أريد مشاركتك في تنشيطه، وهكذا أسترسل، وأتوقف فقط للتعليق حين أراك أقرب إلى أحد الخيارين، فالرؤية عندها تكون قد ظهرت، واستدعت مراجعة النفس، ولنرمز لها بصورة ذهنية، وكإننا نرى الضوء الأحمر، ونسمع بمصاحبته جرس إنذار، وهو ما يجب أن تكرره منفرداً مع نفسك بعد ذلك.. والآن أسألك.. كيف استقبلت أخبار الهجوم الإرهابي الأخير على كنيستينا في طنطا والإسكندرية؟.. حسناً.. إذا تركت سؤالي بالكامل، وبادرت بالتوقف فيه فقط مندهشاً أو مستنكراً عند تعبير كنيستينا، اطمئن وقتها بثقة إلى أنك تحتاج بالفعل لمراجعة النفس.
 
أوليست الكنائس مصرية من مصريتنا حتى وإن كنا مسلمين؟!.. أكمل فأسألك.. بماذا شعرت حين مرت أمامك مشاهد ملؤها الدم لشهداء ومصابي الوطن في هذه الكنيسة أو تلك؟.. مرة أخرى.. إذا تركت سؤالي بالكامل، ولأول وهلة توقفت فيه فقط مكرراً اندهاشك أو استنكارك عند جملة شهداء ومصابي الوطن، فزد اطمئناناً لأنك بالفعل تحتاج لمراجعة النفس.. أوليسوا مواطنينا في نفس الوطن؟!.. أولم يقتلوا غدراً بغير نفس أو فساد في الأرض ويفترض أنهم آمنون في دور عبادتهم؟!.. أواصل أسئلتي.. ماذا فعلت بعدما تجمعت أمامك تفاصيل الحادثين؟.. هل استنكرتهما صراحة مديناً بقوة الفاعل أياً كان وأياً كانت دوافعه؟.. هل عبرت عن موقفك بالرفض من عدمه أمام أسرتك؟.. جيرانك؟.. أصحابك؟.
 
هل شاركت الحادثين على حسابك على شبكات التواصل الاجتماعي؟.. متى فعلت هذا؟.. حال وقوع الهجوم؟.. أم بعدها؟.. أم بعد أن ظهرت على صفحتك هنا أو هناك بوستات الآخرين؟.. كيف تناولته؟.. هل لك معارف من مواطنينا الأقباط في طنطا أو الإسكندرية؟.. هل فكرت في أنهم قد يكونوا من بين الشهداء؟.. هل سارعت بمحاولة الاطمئنان عليهم؟.. أو على ذويهم؟.. كل هذه أسئلة تصلح لاختبار مراجعة النفس الذي أقترحه عليك.. وإذا أخذنا أنفسنا بعيداً عن أجواء الحادثين.. هل تعلم أننا نعيش هذه الأيام أسبوع الآلام؟.. والذي يبدأ بأحد السعف الماضي، ويمر بخميس العهد نهاية هذا الأسبوع، وينتهي بعيد القيامة يوم الأحد القادم، وهو العيد الكبير عند مواطنينا الأقباط.
 
هل تعلم هذا؟.. وإن كنت تعلم.. هل تعتاد مشاركتهم أعيادهم؟.. كيف تفعل ذلك؟.. هل تفعله من القلب؟.. فتبتسم وتقبل على جارك أو زميلك أو صديقك، وتأخذه بكل ود معانقاً مهنئاً، وداعياً صادقاً، أن يعود العيد عليه وعلى ذويه بالخير، أم تؤديه فقط كواجب؟.. أم لا تشاركهم أعيادهم من الأصل؟.. أراك تنصت لي الآن باهتمام وعمق، وتتأمل نفسك بعض الوقت قبل أن تجيب، وتتطلع إلى مزيد من أسئلتي.. فلنواصل.. هل توجه أبناءك نحو المعايدة على زملائهم من الطلاب الأقباط؟.. ماذا تفعل إذا حكى لك أبناءك أنهم يشاركونهم طعامهم أو شرابهم؟.. هل تشاركهم أنت الطعام والشراب؟.. هل تقبل من جيرانك كحك العيد؟.. هل تعطيهم منه في عيدك؟.
 
أسئلة تطرح أسئلة، وإجابات أتوقعها تفتح عدة أبواب للتأمل، وتمهد لمراجعة الذات، وأسئلتي هذه ليست إلا مجرد أمثلة أملك منها الكثير، وقبل أن يبادرني أحد ممن هم في أمس حاجة إلى تلك المراجعة فيسألني.. وماذا عنهم؟!.. أذكر نفسي وإياكم بأن ربي ورسولي قد أوصياني بهم خيراً، وما كان رهبان مصر وأقباطها إلا مرحبين بالفتح الإسلامي لمصر، وما رأوا في الإسلام إلا خلاصاً من استبداد وقسوة وإبادة ذوي الملك والجبروت من قياصرة الرومان، وقناعة بأن ديننا يقر حرية الاعتقاد، ويأمن المسلمين على مواطنيهم غير المسلمين، في عقائدهم وعباداتهم وأموالهم وأعراضهم، نحتاج الآن لأن نتجرد من هواجسنا، حرروا نفوسكم، وجددوا أرواحكم، دعونا نشرع بإصرار نحو تجديد حياتنا.
 
والمدخل في العودة بالإسلام إلى توجهاته الإنسانية التي جاء بها، والتي لم يفعل السياسيون عبر الأجيال، إلا أن استغلوا أطماع رجال الدين، فوقعا معاً صفقة تطويعه لتحقيق مصالحهم المشتركة على حساب الإنسان، شكلا معاً حزباً لأعداء الإنسانية، تطورت آلياته حتى صارت على ما صارت عليه داعش اليوم، أوصيكم ونفسي بألا ننتظر أن تقود جهة اختصاص الجهود نحو تجديد الدين أو الدنيا، فلنعمل معاً بوعي، ونجتهد جميعاً بنية خالصة لله والوطن، ونشارك أهل الاختصاص كل فيما يخصه، ولنجتمع في البداية مطالبين بسرعة إحلال مادة الأخلاق محل مادة التربية الدينية في مدارسنا، يتلقاها أبناءنا المسلمون والمسيحيون معاً، وفي ذات الوقت، لعلها تكون بداية نؤمن بها مستقبلهم المشترك، فالوطن واحد، والمصير واحد، شاء من شاء، وأبى من أبى.