دماءٌ، أشلاءٌ، صراخٌ، وبكاءُ، صورٌ جسدت معاناة الأحد الدامي، رآها الجميع، ودميت قلوبهم، من الأسى أرواح هدرت، دون حق، سينساها الجميع، وتحل محلها صور أخرى، لكن صورة واحدة منهم، سيسجلها التاريخ، للبابا تواضروس الثاني، المتكئ على عصاه، التي يبث لها حزنه، الذي غُرس في قلبه في أول أيام أسبوع الآلام، مرددًا كلمات بولس الرسول: “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته”.
تلك الصورة التي اختصر بها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وجعه، ناعيًا أبناءه من شهداء نيران الغدر الإرهابية، الذين رووا بدمائهم أول أيام أسبوع الآلام، الذي تحول لأحد دامٍ، أدمى قلوب المصريين، التقطت له، وهو يجلس ساندًا روحه على عصاه بعدما خلع “صدرة الفرح”، التي كان يرتديها، مستقبلًا قبلته، يصلي بالحضور، ليبدؤا احتفالاتهم بذكرى دخول المسيح إلى القدس منتصرًا، واستقبال أهلها له بسعف الزيتون، بعد سماعه لخبر الانفجار الثاني، في مار مرقس، بعد الأول في مار جرجس.
صلوات، واحتفالات، وأوراق سعف، زينت كنيسة مار مرقس، في الإسكندرية، في أحد الشعانين، لإحياء ذكرى استقبال أهالي القدس للمسيح عيسى بن مريم، منتصرًا بسعف الزيتون، أسر اجتمعت في كنيستهم وقلوب مليئة بالفرحة، فـ”البابا” قادم لترأس قداسهم، وبدء الصلاة، كعادته في كافة المناسبات، التي يحتضن بها أبنائه.
انتهت أجراس الكنيسة من القرع، وانفض العيد، وودع الحاضرون بعضهم، وهمّ البابا للرحيل، إلا أن يد التطرف قررت نزع الفرحة من القلوب، باغتيال بابا الإسكندرية وسط أبنائه، لكن فشل الانتحاري في الدخول، جعله يسرق أرواحهم نيابة عنه، فجلس على عصاه متكئًا يرمي عليها بعض حزنه، فلا كلام يُقال، شبح الموت خيم على طنطا، وانتقل إلى الإسكندرية، ليختطف الأنفس دون حق.
ذلك الجسد الذي حمل أعباء 65 عامًا في صبر، لم يتحمل رؤية أشلاء الأبرياء أمام عينيه، أطفال ونساء وشباب، سالت دمائهم في بيت الله، الذي رفعوا أيديهم فيه تقربًا منه.
بعد صمت يوم طويل، لم يُسمع فيه إلا البكاء، عجزت الكلمات عن التعبير عما يسكن قلب البابا تواضرس من أحزان، فلم يجد إلا قول بولس الرسول، الذي قالها بعد شقائه، وآلامه، في طريق معرفة ربه، لم يستطع أن يلقيها بنفسه، فقرر عدم حضور جنازة الشهداء، وأرسل رسولًا بها قرأها لهم “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته”.