تشتهر مصر بمحال الفول المدمس وعرباته؛ فهو أكثر الأكلات الشعبية رواجاً، ولا يزال هذا الطبق – حتى بعد تعويم الجنيه – هو الأرخص سعراً، وكاتب هذه السطور واحد من مدمني تعاطي الفول، وأيضاً شقيقته الصغرى الطعمية «الفلافل».
في العالم العربي وعدد من الدول الأوروبية ستجد تلك المحال، لكن تظل العربة التي تجرها الأيدي، ويتدافع العشرات إليها في الصباح الباكر لتناول الأكلة الشهية هي فقط صناعة مصرية بامتياز، تحولت مع الزمن إلى طقس جميل، حيث الأكل في الهواء الطلق، ومع غرباء لا يجمع بينك وبينهم سوى أطباق الطرشي، ونداء أو يافطة مكتوب عليها «إن خلص الفول أنا مش مسؤول».
الفول بأنواعه المتعددة التي تجاوزت في آخر إحصائية قرأتها 20، ليست موضوعنا، ولكن نداء «إن خلص الفول» ومع إنذار البائع «أنا مش مسؤول» فتتحمل أنت بتقاعسك النتائج هو ما أحاول تأمله معكم.
في دنيا الفن تستطيع أن تلمح العشرات وهم يتعمدون الترويج لأنفسهم بطريقة بائعي الفول نفسها، وهكذا مثلاً نتابع فنانة بعد أن ابتعدت عنها الأضواء وهي تسارع بنشر أخبار تؤكد أن عليها الطلب، لكنها رفضت في الأسبوع الماضي، فيلمين وأربعة مسلسلات وعشرة برامج؛ لأنها تتعمد اختيار الأفضل، بينما هذا النجم الذي لم تعد أفلامه تحقق أي أرباح للمنتجين، وأدى هذا إلى هبوط حاد في أجره، إلا أنه يسارع بتسريب هذا الخبر، أنه بسبب الإقبال المنقطع النظير الذي حققه فيلمه الأخير، قرر رفع أجره إلى مليون دولار عداً ونقداً، أما هذه المطربة التي ابتعدت ليس فقط عن الصدارة، بل صارت خارج الدائرة أساساً، ولم يعد أحد يفكر فيها مشروعاً فنياً، فهي أيضاً تنشر خبراً يؤكد أن حفلتها الأخيرة قد نفدت تذاكرها قبل أسبوع.
استعراض القوة المزعومة أحد أسلحة الضعفاء، مثلاً مع انتشار الكثير من الجرائد والمواقع الصحافية في عالمنا العربي بات النجوم لا يمنحون هذه الصحف أي قدر من الاهتمام «إلا إذا»، مثلاً الموقع الذي يريد أن تأتي النجمة لإجراء حوار فيطبقون معها قانون المقايضة، هم ينشرون خبراً يشير إلى أن مسلسلها احتل الصدارة، محققاً أعلى نسبة مشاهدة في استفتاء القراء، هم سعداء بأنها ذهبت إليهم في عقر دارهم، وهي نجحت في انتشار خبر كاذب عنها، عندما يكتشفون قبل رفع الستار بعشر دقائق أن العرض لم يقبل عليه الناس وبدلاً من الإلغاء، للإيهام بأن المسرح كامل العدد يذهبون إلى المقاهي القريبة ويمنحون الناس عشرة جنيهات مقابل ذهابهم للمسرحية، الكثير من برامج «التووك شو» وأيضا مسلسلات «السيت كوم» تلجأ إلى تلك الحيلة، وهي توجيه الجمهور للضحك المبالغ فيه لإقناع الناس في البيوت بأن الضحكات صارت «للركب»، معروف أن القهقهة من الممكن تحقيقها بالعدوى، كثير من الألقاب التي كانت تصاحب البعض هذه نجمة الجماهير، وتلك النجمة الأولى، وثالثة ملكة المذيعات، وكأنها نوع من التغليف بأوراق سلوفان ملونة وبراقة.
في الماضي كانت هناك مهنة في عالم الطرب اسمها «المطيباتي»، وفي تسجيلات مطربي الثلاثينات من القرن الماضي ستسمع إليه وهو يردد بعد غناء كل مقطع «الله يا أستاذ محمد»، أو «يا سلام يا ست منيرة»، المقصود بمحمد هو الموسيقار محمد عبد الوهاب، ومنيرة هي المطربة منيرة المهدية، لا عبد الوهاب ولا منيرة كانا في حاجة إلى المطيباتي، لكنها طبيعة الزمن، فلماذا نستدعيه مجددا الآن؟
نعم «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، لكن ليس كل الفنانين مذاقهم شهي مثل طبق الفول أبو زيت وليمون «جرب وادعيلي»!