نقلًا عن صوت الأزهر
على مدار العقود الأخيرة من التاريخ الحديث، ومنذ أن نمت ظاهرة الإرهاب وانطلقت من البداية بفعل عوامل سياسية في المنطقة وصراعات على السلطة ومواءمات حولها تم فيها استغلال الإسلام وعناصر شابة منتمية له، في تحقيق أهداف سياسية، وهناك حالة تواصلت ونجحت عالمياً في ربط الإسلام بالإرهاب، وهو ربط أصرت عليه وسائل إعلام سعت إلى ترسيخ انطباعات وتكريسها، انتهت إلى أن أصبح الفزع من المسلمين واقعاً حاصلاً في أنحاء العالم، وانعكس في إجراءات أصبح فيها المسلم متهماً بالإرهاب حتى تثبت براءته، ومطالباً بالاعتذار بوصفه مسلماً عن جرائم لم يرتكبها، حتى باتت «الإسلاموفوبيا» مرضاً يجتاح العالم ويعاني منه كل المسلمين، بسبب جرائم يرتكبها خوارج منهم.
نرشح لك: عناوين جريدة صوت الأزهر بعد تفجيرات طنطا والإسكندرية
على جانب آخر، منذ وقوع الاعتداء الإرهابي على كنيستى طنطا والإسكندرية، والاستنفار الكامل من الدولة كلها بجميع مؤسساتها للتعامل مع ملف الإرهاب عموماً، يبدو الأداء الإعلامي تحديداً وكأنه يكرس لمرض جديد اسمه «الأزهرفوبيا» عبر محاولات غير مستندة لدليل تربط الأزهر ومناهجه بكل حادث إرهابي، وهي محاولات تفتقر إلى جدية طرح، وتغلفها المبالغات المفرطة ولا تنطلق في أغلبها من رغبة في الحوار والبناء، ويبدو أنها تعبر عن تربص يسعى للبحث عن «شماعة».
وبينما يحاول ذات الأداء الإعلامي الحديث عن النظر لنصف الكوب المملوء في كل الملفات المتعلقة بأحوال الناس والإرهاب، سواء الملف الأمني أو الإعلامي أو الاقتصادي، وينطلق من تقدير لما يُبذل من جهد في هذه الملفات حتى لو كانت النتائج لم تتحقق بعد ولم يلمسها الناس، تجده يسأل عند الحديث عن اضطلاع الأزهر بالتجديد: أين النتيجة؟
وكأن زر التجديد الديني هو الزر الوحيد في هذا البلد المطلوب منه أن يقول للشيء كن فيكون.
يتعامل الإعلام مع الأزهر وكأنه الحاضنة الفكرية للإرهاب، وكأن أبوبكر البغدادي ومن يجندهم من العالم كله للالتحاق بداعش درسوا في الأزهر، أو اعتمدوا على مناهجه.
هذا الأزهر الذي مضى على وجوده قرون عدة لم يتخل فيها عن هذا البلد في مواقفه ومحطاته الوطنية كافة، وساند أبناؤه النهضة والتنوير وبناء التسامح، وخرج من الدارسين ما لا يعد ولا يحصى من 100 دولة في العالم وأكثر، هو مؤسسة فريدة ينتمي لمصر قبل العالم، وجزء رئيسي من قوتها الناعمة وحضورها الإقليمي، وليس من مصلحة مصر أن يتحول إلى عنوان مرتبط بالإرهاب ينتهي بتكريس انطباع يجعله كالإسلاموفوبيا، متهماً دائماً، وجميع خريجيه إرهابيون في نظر أبناء وطنهم.
كل خبراء الحركات الإسلامية المعتبرين في مصر والعالم العربي، يعرفون بالأرقام والإحصاءات، أن الغالبية الساحقة من الإرهابيين ومنفذي تلك الجرائم لم يتعلموا في الأزهر، ولم يقرأوا كتاباً أزهرياً، ومع ذلك لا يمكن الزعم بأن الأزهر كمؤسسة لا يحتاج إصلاحاً وتجديداً وتحديثاً في كل شيء.
شخصياً جئت إلى هذه الصحيفة من منطقة «ناقدة»، تنطلق من وعي كامل ومثبت في أرشيف من المقالات والرؤى طوال أكثر من 15 عاماً دفاعاً عن المواطنة والدولة المدنية الكاملة المكتملة بكل مفرداتها، وتفهم كامل لكل الاستفهامات المطروحة على الأزهر، لأنني طرحتها وأطرحها، واعتبرت أن ترشيحي لهذه الصحيفة فرصة، لتكون جسراً للحوار بين الأزهر والمجتمع. فإذا كنت لا تستطيع أن تنكر أن الأجهزة المعنية بالأمن تبذل جهداً خارقاً للتصدي للإرهاب وملاحقة مجرميه، رغم تمكن المجرمين من النفاذ من تلك الإجراءات بين حين وآخر لإيلام الوطن، لا أعتقد أنه من المقبول على «الموضوعيين المهنيين» إنكار ما اتخذه الأزهر وشيخه من خطوات في هذا المجال، لتكريس مفاهيم المواطنة وحقوق الآخر، والانتصار للتعايش، سواء في تطوير مناهج أو في تغيير مفاهيم تبدو واضحة غير غامضة على كل من يتابع نشاط الإمام الأكبر، ويقرأ مقالاته في هذه الجريدة، أو خطاباته في الداخل والخارج، التي تؤكد لكل شخص «حسن النية» أن رجلاً بهذه الصفات وهذا المنهج يستحق الدعم الكامل من كل من يرغب فعلاً في تجديد وتحديث الأزهر وما يعكسه ذلك على مستوى خريجيه، وعلى شكل الخطاب الديني الجديد.
رئيس تحرير صوت الأزهر، أحمد الصاوي