يعد وائل الإبراشي واحداً من أبرز أبناء جيله من خريجي مؤسسة روزاليوسف الصحفية الرائدة، جيل بدأ تألقه المهني مطلع التسعينيات من القرن الماضي، واستطاع الاستمرار متوهجاً إلى حد تصدر شاشات القنوات الفضائية، حين سحبت برامج التوك شو البساط بليل من تحت أقدام صاحبة الجلالة المقروءة، ارتبط اسم الإبراشي في هذا الوقت بعدة تحقيقات صحفية شغلت الرأي العام، نذكر منها قضية لوسي آرتين الشهيرة، التي شكلت واحداً من أهم فصول ثلاثية المال والجمال والسلطة في عهد مبارك، وسلسلة تحقيقات تناولت أوضاع اللاجئين في هضبة الجولان السورية المحتلة، وسلسلة أخرى تابع من خلالها هروب بعض رجال الأعمال إلى لندن، بعد أن ارتبطت أسماءهم بقضايا هزت الرأي العام المصري، مثل قضايا توظيف الأموال، وغرق العبارة السلام في مياه البحرالأحمر، في طريق عودتها من ضبا السعودية، إلى سفاجا المصرية.
مهمة الإعلام إزعاج السلطات، كانت هذه رسالة وائل الإبراشي القوية، في حواره مع مجلة الأهرام العربي الأسبوعية، في عددها الصادر يوم السبت الماضي، والذي أجراه الزميل شريف عبد الظاهر مستهلاً عرضه بالإشارة إلى تجربة وائل الإبراشي الإعلامية الثرية، والمتميزة بتنوعها الموضوعي والمهني، والتي توجها سابقاً برئاسة تحرير صحيفتين لا يزالان في مقدمة صحافتنا المستقلة حالياً، هما صوت الأمة والصباح، وتقديم برنامجي توك شو على قنوات دريم، أولهما الحقيقة، والذي وضع به نفسه بقوة على خريطة التوك شو، وآخرهما العاشرة مساءً، والذي أعاد له وائل الروح ليتصدر مشهد الأعلى مشاهدة وسط منافسة شرسة وعنيفة، تقف وراءها إمكانيات تفوق بمراحل تلك التي يغزل بها الإبراشي تفاصيل حلقاته، حوار الإبراشي مع الأهرام العربي طرح عدة قضايا إعلامية تستحق المشاركة، وخاصة فيما يتعلق بثلاثية العلاقة بين الإعلام والسلطة والمواطن.
عرض وائل الإبراشي رؤيته مؤكداً أن المشهد الإعلامي لا يزال يعيش في مأزق كبير بعد ثورتي يناير ويونيو، خاصة وأنه قد انتابته حالة من الفوضى بعد وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم، ولا تزال هذه الحالة تهدد مصداقيته في الشارع المصري، خاصة وأن هناك من يدفع الحرية في اتجاه الفوضى، ويستخدمها لتحقيق مصالح وأهداف خاصة، وهو مما تتعدد معه أخطاء الإعلام، بما يهدد مسيرة التنمية والتقدم في مصر، ولعل زيادة حجم المشكلات في الآونة الأخيرة، زاد من أعباء المواطن، والحكومة هنا لا تريد أن تسمع أوجاع وهموم البسطاء والغلابة، والإعلام هنا يقوم بدوره في مناقشة كل قضايا ومشاكل المجتمع، يسلط الضوء عليها، ويعرضها على المسئولين، بينما ينشط المسئولون في توجيه الانتقادات وإلقاء اللوم على الأداء الإعلامي، الإبراشي هنا ضد فكرة تحميل الإعلام كل خطايا الحكومة.
وبينما يسلم وائل الإبراشي بانتقادات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في شأن أداء الإعلام المصري في بعض خطاباته، باعتبار أن مصر تعيش حالياً ظرفاً استثنائياً يتطلب دعم ومساندة الدولة المصرية بقوة، إلا أنه يرفض في ذات الوقت التضييق إلى حد الإنتهاك والمحاصرة على إعلامي مثل إبراهيم عيسى، فالحكومة تأخذ انتقادات الإعلام باعتبارها موجهة للدولة بينما لا يراها الرئيس السيسي كذلك، هم هنا ملكيون أكثر من الملك، لا يريدون سماع أي أصوات أخرى بحجة الوطنية، وبينما تخسر الدولة والمجتمع صوتاً وطنياً حقيقياً، يزيد رصيد إبراهيم عيسى، ويضاف إلى سجله، فالتاريخ يؤكد أن الحرية تنتصر دائماً، المسئولون في الدولة يكذبون أحياناً، ويخدعون المواطنين بأرقام وإحصائيات وهمية، والإعلاميون على الناحية الأخرى لابد وأن يتحلوا بالمسئولية والمصداقية، الإبراشي هنا يؤكد أن الانحياز للوطن والمواطن هو الفيصل في تقييم أداء الجميع.
وعلى الرغم من انتمائه لواحدة من شبكات التليفزيون الخاصة الرائدة، يؤكد وائل الإبراشي أن التليفزيون المصري أمن قومي، فهو ملك للشعب المصري، ولا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال، ومساندته واجبة بقوة الضرورة حتى ينهض من كبوته، فهناك تحديات كبيرة ومخاطر حقيقية تواجه ماسبيرو، وجميعها تتطلب إعادة هيكلته، وتقوم ضمن ما تقوم بمنح كوادره مساحات أكبر من الحرية، تسمح لهم بالانطلاق والمنافسة، يرى الإبراشي أن منظومة ماسبيرو لابد وأن تقوم في الأساس على الحريات والكفاءات، بحيث يضع ماسبيرو مفهوماً جديداً في التعامل مع المجتمع، ويكون صوت الناس في الشارع بعيداً عن الحكومة، فقد عاصرنا من خلال ماسبيرو أحداثاً سياسية عديدة، وعشنا به ومعه مراحل وطنية مختلفة، وساهم في تشكيل وجدان أجيال وراء أجيال، ولا يجب أبداً العمل على شطب ماسبيرو أو اغتياله أو إلغائه.
الحل في ميثاق الشرف الإعلامي، هكذا يلخص الإبراشي روشتة ضبط منظومة الأداء الإعلامي، فهو يؤكد في حواره أنه لا توجد وزارة إعلام في أي دولة في العالم لديها حرية وديموقراطية، والهيئات الإعلامية الثلاثة المتمثلة في المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة المسئولة عن تنظيم الصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام المسئولة عن تنظيم الإعلام، والتي صدر بشأن تشكيلها قرارات رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي، هي المنوط بها وضع ميثاق الشرف الإعلامي، ولابد أن تعمل هذه الهيئات بالتنسيق مع نقابة الإعلاميين المنتظر تأسيسها قريباً، وكذلك مع نقابة الصحفيين، فقد زادت مساحات الحرية، وانطلقت سريعاً من الصحافة الإلكترونية إلى الشارع المصري عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولابد من تفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، والحسم في اتخاذ القرارات، وبما يسهم في ضبط الأداء الإعلامي، ويحد من حالة الفوضى التي يعيشها الإعلام المصري حالياً.
المهنية هي الأساس في تقييمي لأداء الإعلام المصري، وبقدر تعدد وسائله، بقدر ما تغيب المهنية عن محتواها، وفي المقدمة منها الإعلام المرئي، والذي لم يتفوق إلا في إهدار المهنية في السنوات الأخيرة، فقد طغى الكم على الكيف، وعلت لغة المصالح، وتشابكت العلاقات الشخصية وتعقدت، فتصدر المشهد نجوم لا يفقهون من أمر الإعلام شيئاً، أو صحفيون فقدوا بوصلة المجد الصحفي، أو إعلاميون مزيفون لم يحترفوا إلا النصب الإعلامي في كل عصر، وعلى كل وسيلة إعلامية تواكبه، اتفق أو اختلف مع وائل الإبراشي كما تشاء، لكنه المهني الأقرب إلى التفوق على ذويه، بسبق ما إنه المهني الأقرب إلى رجل الشارع الأقل من العادي، سعياً وراء الحقيقة في أبعد نقطة هناك على أرض المحروسة، وإن كنت ترى رسالته صادمة مؤلمة، فلأن واقعنا لا يزال صادماً مؤلماً ليس إلا.