فجأة هبط علينا الإعلام التافه غير المهنى الذى يبحث عن أى إثارة بما فيه الـ«bbc» ذات المهنية العالية، ولكنها ذات أهداف مضللة ليست بريئة أحيانًا، وأوجع دماغنا هذا الإعلام الهايف الذى يفتقد القدرة على إبداع موضوعات عميقة ترتبط بالواقع وتتصدَّى لمصالح قطاعات عريضة من جموع المواطنين أو رصد تحليلى ودقيق لاستشراء ظواهر تؤثِّر على الأوضاع الأمنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو التنبيه إلى ظواهر استجدّت على المجتمع، برزت على سطح الواقع، والنموذج المثالى أخيرًا المزرى بالطبع على سقطة هذا الإعلام هو قصة انضمام إسلام يكن ومحمود الغندور إلى تنظيم داعش وإبداء الدهشة والتعجُّب والذهول المصطنع والجزع بعد أن لحق محمود الغندور بصديقه يكن فى الدولة الإسلامية فى بادية الشام المنهارة والمتداعية فى طريق إلى زوال، حيث شاب التناول مجموعة أخطاء بلا مبالغة جسيمة.
الخطأ الجسيم الأول: القول إنهما من الأثرياء، وهذه سقطة إعلامية من طراز الجهل والاستعجال وغياب الدقة، حيث يقيس ثرثارو الإعلام وضعهما المالى قياسًا على إمكانيات أسرتيهما، ولأن كلًّا منهما تجاوز الثلاثين من العمر، فمن الخطأ ادعاء ثرائه ما لم يكن شخصيًّا يملك قدرًا كبيرًا من المال، ثم لأن أسرتيهما من الطبقة الوسطى الميسورة فلا يصح الادعاء أنهما ينتميان إلى أسرة ثرية إذا كان وضعهما المالى سوف يُنسب إلى الأسرة.
الخطأ الجسيم الثانى: ادعاء أنهما ظاهرة غريبة باعتبار أن مَن ينضم إلى التنظيمات الإرهابية هو الفقراء أو على الأقل غير الأثرياء، وهذه سقطة غبية تنم عن خلل منهجى بدائى لا يقع فيه تلميذ فى الثانوى، لأن اثنين من المفترض جدلًا أنهما أثرياء انضما إلى تنظيم إرهابى انضم إليه من المصريين عدة مئات أو آلاف، حيث لا يوجد إحصاء دقيق بهم، لا يعتبر ظاهرة، علمًا بأنه لا يوجد بالأساس تصنيف يحدِّد الفئات الاجتماعية للذين انضموا تحت لواء هذا التنظيم.
الخطأ الجسيم الثالث: لم يتم إجراء دراسة حالة أو تحقيق استقصائى (من الإعلاميين) استطاع أن يغطى، انطلاقًا من الاستقصاء والبحث والتدقيق استيفاءً للموضوعية والدقة، ما يكشف البعد الاجتماعى والنفسى والفكرى لظاهرة استقطاب الشباب أو غيرهم إلى تنظيم داعش تحديدًا، مما يسهل قراءة كل جديد على الظاهرة أو يوضح طبيعة ما يطرأ من تغيُّرات عليها.
أما ما أشرت إليه فى فاتحة المقال عن الـ bbc فذلك بعد أن لفتت نظرى حلقة فى أحد البرامج خُصّصت بالكامل عن اشتباك مع الجمهور عن طريق الوسائط الاجتماعية، مع الاستعانة بأحد الخبراء فى مجال التربية عن السبب الذى يدعو أثرياء الشباب إلى الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابى، وهنا يجب القول إن هذه القناة الفضائية التى تتبع هيئة تتحرَّى الموضوعية والمهنية -دون أن يكون هذا بريئًا دائمًا- قد سقطت فى فخ الإثارة أو الانجرار إلى رؤية خطأ من إعلام آخر فى مصر أو فى الإقليم، وهذا وارد، لأنه مهما كانت مهنيتهم وموضوعيتهم فهم ليسوا آلهة لا يعرفون الخطأ، وهناك سبب آخر محتمل هو استغلال اللغط الدائر بصفة عامة حول داعش لتمرير مفهوم غير صحيح فحواه أن داعش يتسع وأن الدليل غير المعلن رسميًّا على هذا أن كل فئات المجتمع على تنوّعها واختلاف أحوالها تنضم إلى هذا التنظيم من السفاحين والبرابرة.
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، فالثابت مما تسرَّب من أدلة ووثائق حتى الآن، يكشف جليًّا أن المرحلة التى أعقبت ما يسمى ثورات الربيع العربى كانت ترتبط بخطط من القوى العظمى، لتفريغ الحركات الاحتجاجية القوية من محتواها الوطنى وركوب منجزها التاريخى فى اتجاه يعكس مصالح الغرب عن طريق قوى لا تعكس طموحات الشعوب وآمالها، ولأن توجّه هذه القوى كان دينيًّا، وبالتحديد الإخوان المسلمين، فلقد تم إعداد مجموعة من التنظيمات الإسلامية المسلحة لتكون الذراع المسلحة لتثبيت دعائم سلطة الحكم الدينية التى استجدت على الواقع السياسى وتفتيت مقومات الدولة القومية الحديثة، وبالأخص الجيوش والأجهزة الأمنية وشبه العسكرية، وينكشف دور التنظيمات الإسلامية المسلحة فى الدور المدمر والمروع الذى لعبته فى سوريا ومحاولة تكرار هذا فى ليبيا بعد فشل المخطط فى مصر رغم صعود الإخوان المسلمين إلى سُدّة الحكم، وفى مجال التنظيمات الإرهابية يلزم التذكرة أن القاعدة صناعة أمريكية بالأساس، وهذا يعطى بالضرورة مؤشرًا على طبيعة هذه التنظيمات ومدى غياب السلامة عمليًّا لبنيتها التأسيسية، وهذا يعنى اختراقها بدرجة مذهلة من أجهزة مخابرات أجنبية تحرّكها طبقًا لأجندة مصالحها التى لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.
من هذه الزاوية وبقراءة تحليلية سريعة يمكن القول إن تنظيم داعش وغيره يخضع فى أنشطته وعملياته لتوجيه مباشر عن طريق عملاء ينفذون تعليمات محددة حتى ولو كانوا يفعلون هذا بغفلة عن المصدر الحقيقى أو بطريق غير مباشر يمتد أثره إلى تجنيد أتباع جدد أو رسالة إعلامية تحرك قطيع المنظمات الإرهابية نحو مصالح قوى لا علاقة لها بما يعتنقه داعش وأمثاله من قريب أو بعيد، بينما تنجرف وسائل الإعلام المحلية إلى تجليات إعلامية ساذجة ومسطحة بعيدة عن جوهر الحقائق.
هل تعرفون أن للإخوان مونولوجست؟
عمرو أديب لقطر :”اللى يحبنا مايضربش نار فى فرحنا”