نقلًا عن المصري اليوم
ما أقوله لم يعد سرا، ولكنه يتردد فقط داخل دائرة ضيقة، وهم المشاركون فى المسلسل، الكل يعلم أن الكاتب الكبير الذى ارتبط بالنجم المتربع على العرش، وأصبح بينهما ما يُعرف فى علم النفس بالارتباط الشرطى، عندما تذكر اسم النجم يصعد على الفور اسم الكاتب، فهو على مدى عشرين عاما صار الكاتب الأوحد للنجم الاستثنائى، إلا أن المفاجأة هذا العام أنه لم يعد فى الميدان وحده، كاتب شاب أعاد مجددا كتابة المسلسل ورصيده الإبداعى على الورق أكثر من الكاتب المخضرم، ولكنك لن تقرأ اسمه على (التترات)، تحسبا من غضب محتمل يثير غبارا ينال من المسلسل.
ذكرتنى تلك الواقعة بأخرى شهيرة، حدثت قبل نحو ربع قرن، طرفاها مصطفى محرم وبشير الديك فى فيلم (الهروب)، إخراج عاطف الطيب، وبطولة أحمد زكى، عندما أعاد الديك كتابة السيناريو، ولم يذكر اسمه أيضا فى التترات، فى كل أحاديث الديك يؤكد أن (الهروب) ابنه الشرعى الذى يحمل اسم أب آخر، وبالطبع أمام التاريخ والقانون الفيلم منسوب فقط لمحرم، الأوراق الرسمية هى القول الفصل مثل تحليل الجينات (دى. إن. إيه).
بالصدفة التقيت بالكاتب الشاب، قلت له لك رصيد مبشر من الأعمال الدرامية فلماذا تتحول إلى (كاتب ظل)،shadow writer؟ وهو تعبير يعرفه العالم، والذى نطلق عليه الكتابة من الباطن، أجابنى: لم أقصد ولا حتى أتمنى، ولكنى أنقذت الموقف، لم يذكر لى مباشرة، وإن كان قد أوحى بين السطور، أنه يتمنى أن يكتب للنجم الكبير، ولم يجد أمامه كخطوة أولى سوى أن يقبل بتلك الصفقة، على أمل أن ينفرد فى العام القادم بمسلسل على خريطة النجم، هل تعتبرها تحمل شيئا من الشرعية، مثل (الضرورات تبيح المحظورات)؟ أنا شخصيا لا أوافق على هذا النوع من المعادلات، المحظورات تظل محظورات، إلا أن الحياة الفنية وطوال التاريخ تجبر البعض على الرضوخ للضرورات.
ذكر مثلا نجيب الريحانى كيف التقى بالكاتب الموهوب بديع خيرى لأول مرة، حيث إن نجيب كان قد اختلف مع أمين صدقى، كاتبه الأثير، فلجأ لأحد أفراد الفرقة وهو فى الحقيقة لم يكن يمتلك موهبة، بل كان يستعين من الباطن بكاتب ناشئ، وهمس أحدهم فى أذن الريحانى باسم بديع خيرى، وعلى الفور التقاه نجيب، وكونا معاً واحداً من أهم، إن لم يكن أهم، ثنائى عرفته الدراما المصرية سينمائياً ومسرحياً، الغريب أن التسجيل التليفزيونى النادر، وأظنه الوحيد، لبديع خيرى مع مذيعة التليفزيون الراحلة سلوى حجازى لم يأت بديع أبدا بذكر تلك الواقعة، يبدو أنه مع الزمن قد صار يخجل منها.
الكاتب الراحل بهجت قمر، والد الموهوب أيمن بهجت قمر، فعلها فى أكثر من 200 فيلم ومسرحية، وتنازل عن اسمه مقابل أجر، بعض الكبار اضطروا فى ظروف خاصة لذلك، مثل كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، الذى شارك فى سيناريو (شباب امرأة)، وعندما اعترض مؤلف القصة أمين يوسف غراب لم يشأ محفوظ إثارة القضية وحذف اسمه من (التترات)، لديكم أيضا الموسيقار الكبير بليغ حمدى، فى سنوات الغربة خارج مصر فى نهاية الثمانينيات، لحاجته إلى المال، تنازل عن اسمه كشاعر، واكتفى فقط بأن تُنسب الأغانى إليه ملحناً، ونسبها لاسم شاعر خليجى، رغم أن هذا الملياردير لم يكتب كلمة واحدة طوال حياته، وحتى الآن لايزالون يكتبون له الكثير من بحور الشعر، وهو يجزل لهم العطاء بالكثير من بحور المال!!.