محمد مصطفى أبو شامة
قبل أن أحدِّثَكم عن «الترافيك» الذي أصبح مقياس العصر للقوة والتأثير والانتشار، سنتوقف قليلًا أمام مشهد الـ«هوجة» التي استهدفت الأزهر وشيخَه خلال أسبوع الآلام المصري الذي أعقب تفجير كنيستي «مار جرجس» و«المرقسية» في طنطا والإسكندرية صبيحة «أحد الشعانين»، التاسع من أبريل الحالي، فتطَوَّع المتطوعون وتبرَّع المتبرعون، واندفع من دُفع أو دُفِع له كي يشارك في حملة مفتعلة للإساءة والتوريط، أنتجت حملة مضادة للدفاع والتصدي، وانتهى الأسبوع وقد تخندق الطرفان، كل في مواجهة الآخر، لنصبح أمام معركة مشتعلة، لا يعرف إلا مشعِلُها.. أهدافَها، ولا يملك إلا الله.. إخمادَها.
يأتي ذلك بينما تصَدَّر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، المرتبة الأولى في قائمة الشَّخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم لعام 2017، وذلك وفق التقرير السنوي الذي أصدره المركز الإسلامي الملكي للدراسات الاستراتيجية بالعاصمة الأردنية (عمان)، خلال أبريل الحالي (أيضًا)، وهو خبر اختطفه الزحام وضاع وسط الضباب الإعلامي، ولم يتوقف أمامه أحد بالقدر المناسب لقيمته وأهميته.
والخبر السابق مدخل مثالي لقصتنا عن «الترافيك»، المصطلح الأبرز في خطاب كل المشتغلين والمنشغلين بـ«الخطابات»؛ الدينية منها والمدنية، وسيقفز على الفور سؤالك: كيف يكون الإمام الطيب هو الأكثر تأثيرًا، ولا يكون خطاب الأزهر هو الأكثر انتشارًا؟! وسيقفز (أيضًا) أحد المتسرعين، ويطلق حُكمَه ويردد مع المرددين بأن الخطاب يحتاج إلى تجديد، إذًا.. ما الجديد؟
سأجيبه وأطمئنه بأن الخطاب يُجدَّد ليس تملقًا لسلطان أو خضوعًا لإنسان، بل هي حركة التاريخ والتطور التي تفرض ذلك، فمؤسسة تخطى عمرها الألف عام لا شك أنها جدَّدَت نفسها وفِكرَها ومنهجَها ألفَ مرة، والمشكلة التي على الجميع إدراكها، أنه مهما تطوَّر الخطاب فإنه سيبقى خطابًا علميًّا.. وسطيًّا.. معتدلًا، لا يملك جاذبية خطابات الآخرين ممن تَسلَّف أو تطرَّف وممن «ترَوْشَن» أو «تدعشن»، لأن أحاديثهم تحوي الغريب والمثير من أمور مهجورة في الدين، مضافًا إليها ما تيَسَّر من أفعال جذب مفتعلة ووهمية (وأحيانا جنسية)، لهذا أصبح هؤلاء يملكون قوة «الترافيك» التي لن يستطيع الأزهر أن يجاريها، وهنا مكمن العلة، وربما أيضًا يكون مصدر الدواء.
وهذا ما يجعلني أختلف مع ما ذكرته «ذي إيكونوميست» الإنجليزية قبل شهرين عن الأزهر قائلة: «مع محاولة الأزهر لتبني الإصلاح، يشك العديد في قدرته على كسب المسلمين، حيث إن مهارات تواصُلِه ضعيفة».
ليس صحيحًا أن مهارات التواصل الأزهرية ضعيفة، ولعل نموذج «الإمام الطيب» الذي تصدَّر قائمة الأكثر تأثيرًا مثال حيّ على ذلك، ولكننا نحتاج إلى نماذج أخرى، وهنا «مربط الفرس». يجب أن نتوقف هنا وندرس: كيف تحول إمام معتدل ووسطي إلى مصدر تأثير عالمي، والشيخ الطيب ليس تجربة وحيدة قدمتها مصر، فهناك أسماء عظيمة (سابقة ومعاصرة) سطعت وأثَّرَت، لكن أعدادها لا تكفي لمواجهة الطوفان، كما أن هذه الأعداد تقلَّصَت في عصرنا الحالي، وهو ما يجب أن ندركه.
يجب أن يبدأ الأزهر على الفور عملية «صناعة نجومه» بشكل علمي واحترافي، بعيدًا عن الاختيارات العشوائية والاجتهادات الفردية، ولنطلقها مبادرةً عبر هذا المنفذ الإعلامي المحترم، تنطلق بأن يختار الأزهر 100 من شيوخه المعتَبَرين ممن لا تزيد أعمارهم على 50 عامًا، ويتعاقد على الفور مع كبرى شركات التسويق والإعلان لتصفِّي المائة إلى 25 مرشحًا للنجومية، يتم تدريبهم ووضع خطة تسويقية مُحكَمَة ليكونوا خلال أشهر نجوم الدعوة وفرسان التواصل وأصحاب اليد العليا في دولة الـ«ترافيك» الديني.