كان بودي ان اكتب عن التربية والتعليم لا التعبئة والتعليب، لكن لله الأمر من قبل ومن بعد فكل ما نحن تحت طئلته اعلامياً هو من فئة التعبئة، وليست التعبئة قاصرة على تعبئة الاكياس أو العبوات الغذائية لكن هناك تعبئة الرؤوس وتعبئة النفوس وتعبئة المساحات الاعلامية بفكر معين لهدف معين ولمدة معينة وكل يعتمد على شعار المرحلة وهدف المرحلة أو المصلحة المترتبة على تلك التعبئة.
تعبئة الرؤوس أمر يتعلق بخلق رأي عام محب أو ساخط، مفضل أو نابذ لأفكار معينة أو لأشخاص معينة أو لإجراءات معينة. يتم ذلك بسياسة الإلحاح المتبعة في التسويق، فلكثرة استعراض الفكرة وكثرة تعرضك لها من زوايا مختلفة ستجد نفسك مقتنعاً بها إلا ان رفضتها لاختلافها مع مبادئك، ودعني اصدمك، فحتى تلك المبادئ قد لا تصمد أمام إلحاح الإعلام فقد تتغير مبادئك أو تتغيب أو تتنحى جانباً حتى وإن أنكرت فذلك يحدث ولن أضرب لك الأمثلة فبالتأكيد انت تعرفها وتعرفها جيداً
أما عن التعليب فحدث ولا حرج فما بين برامج ما يسمى بالفورمات وحتى صيغة الاخبار فستجد أن التعليب هو السائد، فبرامج الترفيه لا تخرج عن قوالب محددة مسبقة التجهيز فتبدو كالوجبات السريعة لا طعم لها أو تتساوى في الأضرار، فستجد أياً من برامج المسابقات تلك يتخذ سيناريوهات محددة فهذا متسابق يتم التركيز عليه وهذا تتم السخرية منه وهذا رهيب وفخر لبلده وهناك فقرات تبعث على ذرف الدموع على اصحابها ودائماً ما يكون هناك امثلة على التحدي والصمود لكسب تعاطف المشاهدين، وفقرات الأزمات المختلقة والتي تتناولها المواقع والصحف وكأنها مصيبة المصائب لمزيد من التشويق وإثارة فضول المشاهدين، وفجأة ثم يتم حلها بقدرة قادر ويستمر البرنامج من موسم لآخر ليستمر نزيف اموال المشاهدين على هيئة رسائل من أجل التصويت أو أسئلة لنجوم البرنامج واعلانات يتحمل تكلفتها نفس هؤلاء المشاهدين بشكل غير مباشر.
وفي الصحف تجد تعبيرات معلبة ايضاً مثل “تعزيز سبل التعاون” ، “تناول سبل التقارب”، “بحث طرق التعاون المشترك”، “وقد قم السيد فلان الفلاني بجولة تفقدية”، “شاهد ماذا فعل فلان الفلاني”، “تعرف على المزيد عن فضيحة فلانة”، كلها قوالب نصية لا تقدم بالفعل ما حدثن لكنها تقدم بالفعل تعبئة لمساحات في الصحف أو المواقع ويحدث ايضاً فعل التعبئة في الكثير من البرامج الحوارية لكسب المزيد من الوقت المستنفذ من البرنامج على الهواء من أجل عرض المزيد من الاعلانات الخاصة بالشركات الراعية للبرنامج وبالتالي المزيد من الرصيد في حسابات القائمين على البرنامج على حساب المشاهدين التعساء.
على مر العصور لم تختفي موجات التعليب الاعلامي وهناك دوماً من أقوال العلب تلك ما كان يسخر منه المصريون، بدئاً من الست سنية سايبة الميه وحسنين ومحمدين زينة الشباب الاتنين ودي زبالة يا جاهل وادي ضهرك للترعة وانتهاءً بما تروج له اعلانات العصر الحديث من مفاهيم تغير ما اعتدنا على انه صحيح بدعوى انه لم يعد صحيحاً بعد الآن.
ومن أجل صحة افضل ينصح بالهروب من هجمات التعليب وانسف حمامك القديم!