يكفى أن يظهر أمامك على الشاشة بوجهه الأسمر المنحوت ذو الملامح المصرية الأصيلة، وابتسامته الجميلة التى تحمل قدرًا من السذاجة ولكنها لا تخلو من مكر. مزيج متناقض من الذكاء والعفوية، وملامح وجه يبدو وكأنها خُلقت للتجهم ولكنها مبتسمة دومًا. ابتسامة لن تعرف أبدًا مصدرها الحقيقى ومن أين تأتى، بينما عيناه تحمل نظرة مليئة بكل هذا الآسى !
لا تحتاج لكثير من الجهد لكى تلحظ كل هذا الحزن المستتر خلف ابتسامته الكبيرة. حزنًا أو انكسارًا ربما يكون أكبر من هذه الإبتسامة، وهو لا يبذل أى جهد لإخفائه، فكعادة كل أصحاب المواهب الحقيقية والنادرة، تتلازم لديهم الضحكة بالبكاء، وتحضر البهجة ممزوجة بالشجن. لديهم فائض من الموهبة قادر على إسعادك، وإثارة مشاعرك ودموعك في آن واحد.
يكفى أن يظهر فقط أمامك بكل هذا التناقض، ليستحوذ على انتباهك، وينتزع منك ابتسامةً لمجرد رؤيته، ودون أن تدرى لماذا. ولكنه لا يكتفى بهذا الظهور، فتشعر وكأن لديه مهمة مقدسة لا يتهاون فيها على الإطلاق، وهى أن يجعلك لا تتوقف لحظة عن الضحك طوال فترة ظهوره – القصيرة دومًا – على الشاشة. يتحول محمد شرف خلالها إلى ماكينة لإطلاق الإفيهات. إفيهات ذكية يزيد من بريقها، طريقته في الأداء، وأسلوبه السلس البسيط، وحضوره الطاغى والخاطف. يظهر سريعًا ويختفى بشكل أسرع. لكنه يترك في قلوب محبيه أثرًا لا يُمحى، ما يجعل طلته لا تغيب عن الذاكرة، وإفيهاته تعيش بيننا طويلًا، نتذكرها ونرددها بين الوقت والآخر.
كانت البداية من مسرح محمد نجم في منتصف التمانينات، احتاج بعدها لما يقرب من 10 أعوام حتى يبدأ مشواره الحقيقى، والذى جاءت انطلاقته بدور ” سامبو ” في مسلسل ” أرابيسك ” عام 1994. فرصة ذهبية ومساحة كافية من الأضواء، وتكفلت موهبته بالباقى، ليُكتب له النجاح ويبدأ في تثبيت أقدامه، وهو ما ساعده على دخول عالم السينما من بابه الواسع، نستطيع أن نقسم مشواره السينمائى إلى 3 مراحل. تعامل في الأولى مع كبار المخرجين والنجوم، فظهر مع عاطف الطيب في فيلمه الأخير ” ليلة ساخنة ” ومع أسامة فوزى في ” عفاريت الأسفلت ” وداود عبد السيد في ” سارق الفرح ” ومع النجم الراحل محمود عبد العزيز في ” البحر بيضحك ليه ” والزعيم عادل إمام في ” الواد محروس بتاع الوزير ”
كان محمد شرف بالتأكيد هو المستفيد الأول من تعامله مع كل هذه الأسماء رغم قصر مساحة أدواره، فكلها تجارب مهمة ومع مدارس إخراجية متنوعة، تجارب أثقلت من موهبته وجعلتها ” تستوى ” على نار هادئة، وهو ما جعله ينطلق بثقة أكبر في المرحلة الثانية، عندما بدأت تظهر في أواخر التسعينات سينما نجوم الشباب أو المضحكين الجدد، لتجده في أفلام مثل ” بلية ودماغه العالية ” و” عسكر في المعسكر ” مع نجم المرحلة محمد هنيدى، ووسط مجموعة من الوجوه الجديدة وقتها في فيلم مهم مثل ” فيلم ثقافى ” ومع ساندرا نشأت وكريم عبد العزيز في ” حرامية في تايلاند ” ودوره الأشهر في ” الرهينة ” مع أحمد عز.
وسط كل ذلك كان هناك الكثير من الإختيارات الخاطئة، والتى تمثلت في ظهوره في العديد من الأفلام المتواضعة، والتى لم يشكل وجوده بها أية إضافة لمشواره، بل ربما كان تأثيرها السلبى أكبر، وهى أفلام من نوعية ” علىّ الطرب بالتلاتة ” و” قصة الحى الشعبى ” و” عبده مواسم ” وغيرها. على أية حال نستطيع أن نسمى المرحلة الثالثة بمرحلة أحمد حلمى. رصيد شرف مع أحمد حلمى لا يتجاوز الخمسة أفلام، لم يتعدَّ دوره في أى منها أكثر من مشهدين أو تلاتة بالكتير، وبرغم ذلك تكاد تمثل تاريخًا سينمائيًا في حد ذاتها لهذا الفنان الموهوب.
فمن ينسى مشهده العبقرى مع أحمد حلمى في فيلم ” أسف على الأزعاج ” وهو يحكى عن ارتباطه بالمقهى ” أنا بقالى 20 سنة قاعد على القهوة دى ” في أقل من 3 دقائق هى عمر هذا المشهد، استطاع محمد شرف أن يضحكنا ويبكينا وينتقل من حالة لنقيضها بسلاسة ونعومة فائقة، وكأنه لا يبذل أى جهد فمن فرط البساطة والتلقائية يمثل وكأنه يتنفس. ولديه قدرة خاصة – لا أظن فنانًا آخرًا يمتلكها بنفس القدر – في تحويل الشخصيات الصغيرة والهامشية التى يقدمها إلى شخصيات مهمة ومؤثرة، تنبض بالحياة، وتمتلىء بالتفاصيل. وكل هذا في مساحة زمنية قصيرة، يأخذ غيره من النجوم أضعافها، دون أن يتركوا أى تأثير لدى المشاهد.
هذه القدرة تجعلنا نتساءل هل ظلمت الأدوار الصغيرة محمد شرف ؟ هل كانت موهبته تحتاج إلى مساحة أكبر ؟ وهو سؤال من الصعب أن تجد له إجابة واضحة، فربما كان العكس هو الصحيح، وأن الأدوار الصغيرة هى سبب تميزه، فتجارب العديد من الممثلين ماثلة أمامنا، فالكثير منهم يفقد بريقه كلما زادت مساحة أدواره أو بدأ في تقديم أدوار البطولة. ورغم ذلك أراه كان يستحق مساحة أكبر قليلا، وتنوُع في نوعية الأدوار التى يقدمها بما يناسب حجم موهبته. وهو أثبت ذلك بشكل عملى في مسلسل ” ريا وسكينة ” بدور ” أبو العلا ” اللص خفيف الظل. فكانت مساحة دوره أكبر مما اعتاد أن يقدمه ولكنه أجاد وتميز كعادته.
في فيلم ” ظرف طارق ” يقتحم محمد شرف منزل أحمد حلمى وصديقه مجدى كامل، يتجه مسرعًا إلى المطبخ مطلقًا أحد إفيهاته ” سامو عليكو مفيش مياه في التلاجة أصلى جعان أوى ” كل هذا وسط استغراب أحمد حلمى الذى يسأله مندهشًا ” إنت تبع مين ؟ ” ليجيبه شرف ” مش تبع حد أنا رئيس جمهورية نفسى ” ليبقى هذا أحد أشهر إفيهاته، وإن كنت لا أظن محمد شرف كان يمزح في هذه اللحظة، بقدر ما كان يصف نفسه بكل دقة.