عماد النويري
عندما شرع القائمون على شركة “أوزون” للسينما في الكويت تشييد “تريومول”، لم يكن الهدف من ذلك مجرد إيجاد صرح يتسم بالفخامة لضم عدد من أرقى المحلات في مختلف النشاطات فحسب، بل كان هناك مغزى آخر غير خفي ولا سري، وهو شحذ الهمة نحو إعلاء النظرة لخلق لمحة أخرى تجاه فن السينما، تبلور الحلم بإنشاء أربع دور عرض على أحدث ما توصل إليه هذا المجال تقنيا وهندسيا وفنيا، وظلت الفكرة قابعة في المخيلة.
كان على “أوزون” أن تتحرك ولا تنتظر السعي إليها، مهمتها قد تكون تجارية ظاهريا، لكن عشق السينما لا أرباحها هو المحرك، السؤال الذي داعب المخيلة..كيف الوصول إلى ما نصبو؟ كيف نحقق قاعدة أدبية وفنية وسينمائية ذات رؤية ومخيلة وتعاط مختلف نحو السينما والإفلام؟ كيف ندرك قيمة المنتج – الفيلم – ونعرف ونتثقف ونلملم معلومات غنية وصادقة حول القامة – ممثلون ومخرجون وفنيون وكتاب سيناريو – وكانت الإجابة في كلمة واحدة…الرعاية.
كلمة “الرعاية” كانت الوقود المحرك لخطى تجاهات شركة “أوزون” للسينما، ومنها كان المنطلق والسعي الحثيث، ولم يكن البحث عن التجمعات الثقافية ذو بعد عشوائي بقدر ما كان يهمها الفرز والانتقائية ورصد الجهة ومعرفة مقصدها ومرجعيتها وايدلوجيتها ومحركها الأدبي.
وبعد بحث ليس بمضن، جاءت فكرة الرعاية الأولى التي قدمتها “أوزون” لاستوديو الأربعاء السينمائي، الذي ما فتأ يقدم منذ ما يزيد عن الأربع سنوات أفلام تنهض بالمخيلة السينمائية وتحدث حالة من عصف الأفكار وشحذ الطاقات الفنية والأدبية، فعقدت النية وتم الاتفاق بين الجهتين على رعاية تستمرة مدة شهر، ولم يكن المقصد أن يقتصر الامر على توفير الجانب المادي فحسب، بل رعاية تكفل وتعضد وتشجع على تنمية ودعم التجمعات السينمائية والتثقيف والإلمام بماهية الفن السابع.
طموح شركة “أوزون” ممتد خارج حدود وجغرافية المكان، كان الهدف تلقف أي فكرة تعمل على إيجاد مشروع سينمائي جديد، وكان لها ما أرادت من خلال الدورة الأولى لمهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية والذي أقيم في الفترة من 5 وحتى 11 مارس 2017.
رعت أوزون المهرجان وكان لها ضلع أساسي وكلمة ذات صدى خلال المحاضرة الرئيسية للمهرجان، وكانت هناك أفلام وأوراق بحثية سينمائية ومناقشات وزخم فني عربي وأوروبي دسم.
جاءت الرعاية الثانية لنادي سين السينمائي والذي يتخذ من رابطة الأدباء الكويتيين مقرا له، وقع الاختيار لتميزه وتفرده بتقديم وجبة ثقافية ومتعة بصرية ومناقشات جادة حول ما تختاره من أفلام عمدت إلى نوعية منها تتصف بالرصانة والامتاع وقدرة على قنص جوائز مهمة وراقية.
استمرت الرعاية شهرا، عرض نادي سين خلالها أربعة أفلام بمعدل فيلم أسبوعيا، تعقبة مناقشة تتخللها مداخلات من الحضور، ولأن رعاية أوزون مختلفة، ويتسق مع فكر “سين”، تلاقت الأفكار حول طريقة الرعاية، وقررا أن تكون الوجبة أدبية ثقافية، وعوضا عن المأكولات يكون الغذاء ثقافيا، وترجمت الفكرة إلى واقع، ففي ختام كل ليلة عرض تجرى مسابقة حول فن السينما يحصل الفائز خلالها على كتاب سينمائي قيم، لتأتي ليلة الختام وتأخذ الفكرة مسارا أكثر زخما، إذ قرر النادي عمل “بوفيه ثقافي مفتوح” فقدمت شركة أوزون مجموعة كبيرة من الكتب التي تتناول جل ما يخص الفن السابع، ويستطيع الحضور الحصول على ما يهمه من كتب، فكانت الفكرة وتحقق المغزى، واتسق المقصد، واختلفت معه ذائقة الحضور وتوجهاتهم ومسعاهم.
ولم تكن الرعاية كلها سينمائية، كان للثقافة جزء مهم في نشاطات “أوزون”، ووقع الاختيار على ملتقى “أوركيد” الثقافي والذي يتخذ من إحدى المقاهي مستقرا له، ويشجع على تنمية مهارات الشعر وكتابة القصة القصيرة وفن الرواية والحكي، وكانت التجربة الأولى مع مناقشة رواية “لصوص الأرواح” للقاص الشاب زيد خلف، حضرت “سين” ووفرت الدعم والرعاية ونوقشت الرواية وتم تناولها من كافة جوانبها ومكامن القوة والضعف فيها.
إن شركة “أوزون” للسينما أخذت على عاتقها أن تلعب دور “السند” أو “الضامن” أو “الحامي” لقيم ومفهوم ومتعة الفن السابع، والأدب والثقافة بكافة تنوعاتها، من هنا كان المنطلق وإليه يكون السعي، ومن أجله يكون الهدف.