طارق الشناوي يكتب : مذيع الرئيس!

نقلًا عن المصري اليوم

 

نعم هو الأقرب لقلب الرئيس، أتحدث طبعا عن عمرو أديب، عندما يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه يجد لديه متسعا من الوقت لكى يتابعه وينتقل معه من «الأوربت» إلى «أون إى»، فالأمر محسوم إذاً، تصور البعض أن أسامة كمال هو الذى يحظى بتلك المكانة، بعد الحديث الطويل الذى أجراه معه فى التليفزيون المصرى بعد توليه الرئاسة، وتصدره المشهد فى أكثر من ندوة رسمية تقيمها الدولة أو يحضرها الرئيس. أسامة بالنسبة لمؤسسة الرئاسة هو المذيع الرصين المنضبط الذى يدخل العقل، ولكن عمرو مكانته هى القلب، ودائرة حضوره الجماهيرى أكبر، ومثل هذه الأمور يجب أن نضعها فى إطارها المنطقى، السلطة يعنيها فى نهاية الأمر أن تصل رسائلها للناس، عمرو يحقق لها ذلك، تختلف وتنتقد صوته العالى وطغيانه على من يشاركه الحوار، كل هذا أنت محق فيه، إلا أنه دائما مشاعر الناس لها حسابات أخرى، استطاع عمرو- فى بداية المشوار وبقناة مشفرة غير متاحة للجمهور «الأوربت» بتعليقاته التى أراها مزيجا متعادلا بين العفوية والعقلانية- أن ينفذ إلى الدائرة الأوسع بين الناس، ويشهد على ذلك كثافة تواجده على «السوشيال ميديا».

تأكد أن 99% من مقدمى البرامج على مختلف القنوات يتمنون أن يصبحوا عمرو أديب، ومن البدهى أن لقاء مع رئيس الجمهورية يرفع من قامة المذيع بين أقرانه، وعمرو أديب منذ منتصف التسعينيات فى زمن مبارك هو الأقرب لدائرة الرئاسة، والكثير من مداخلات مبارك «الأب» مع عمرو تؤكد ذلك، وهناك أحاديث أكثر تباسطا يعرفها كل العاملين من فريق البرنامج بين عمرو ومبارك خارج الهواء، ولكنه فى ظل معادلة أخرى لم يشفع له كل هذا الرصيد، أجبرت قناة الأوربت عمرو قبل ثورة 25 يناير بنحو عام على أن تمنحه إجازة، غالبا براتب، ليمكث فى البيت عدة أشهر حتى تهدأ الأمور مع الدولة، وفى توقيت ما كان شرط العودة مقترنا بأن يشاركه أحمد موسى الحوار، فهو الصوت الذى سيضبط الإيقاع الذى تريده الأجهزة النافذة فى الإعلام.

 

الزمن به الكثير من التنويعات المماثلة، كان جلال معوض هو الأقرب لجمال عبدالناصر، ومن الممكن أن تقول إن أحمد سمير حظى بتلك المكانة فى زمن أنور السادات، بينما همّت مصطفى كان السادات يحرص فى عيد ميلاده أن يسجل معها فى قرية «ميت أبوالكوم» مرتديا زيه الريفى.

 

من حق الرئيس أن يختار، ولكن يبقى المذيع ومكانته ورصيده عند الناس، بدهى كلما اقترب إنسان من دائرة السلطة يصبح كل شىء محسوبا عليه، والدولة لن تأخذ بحسن نية أى هامش من المشاغبة، دائما سيجد المذيع الذى يراه الناس مقترنا اسمه بالسلطة أن الكل يحسب حتى كلماته التى يرددها بحسن نية باعتبارها رسائل رسمية من الدولة، بينما على الجانب الآخر تلك المشاغبات التى يداعب بها المذيع مشاهديه، هى التى تمنحه وجوده على الخريطة الإعلامية، ولو فقد تلك البوصلة فى ضبط «ترمومتر» علاقته بين الدولة والناس سيفقد حتى مكانته عند السلطة.

 

إنها معادلة صعبة، كيف تُصبح فى عُرف مؤسسة الرئاسة مذيع الدولة الرسمى وتحتفظ فى نفس الوقت بقدر من الحرية، كلنا نتابع الآن أن هذا الهامش يضيق، والخروج بمساحة مهما كانت متناهية الصغر عن ترديد النغمة التى تريدها الدولة غير مأمون العواقب، مذيع الرئيس منحة أم محنة؟!!