تكلمنا من قبل عن أن العمل داخل القنوات الفضائية المصرية يحتوي على العديد من الصراعات التاريخية بين أبناء الكار وبعضهم البعض، كل طرف يحاول إثبات سيطرته ومكانته، والأهم أن الكثيرين يعملون جاهدين لإثبات أن المجموعة التي تعمل معه، ما هم إلا مجرد جهلة معدومي الحس الفني والضمير… وهذا هو قلب المشكلة.. الصراعات تهدم النجاحات، تأكل الإنجازات، ولا يتبقى إلا صورة باهتة تخرج للمشاهد، تحتها الكثير من النيران.
ومن أشهر صراعات المهنة ، صراع الداخلي / الخارجي .. الصراع الأزلي بين العاملين بالإدارة والكونترول رووم والمباني المغلقة الشامخة المكيفة، وبين العاملين ضمن فرق التصوير الخارجي، المصابين بلعنة اللف في الشوارع وتغطية الأحداث الساخنة، وإفطار رمضان خارج البيوت، والاستيقاظ فجرا والبقاء على أرصفة الشوارع لساعات وساعات، في إنتظار الأوامر من (بهوات التكييف) الموجودون في الكونترول رووم.
الدور الرئيسي لفريق التصوير الخارجي، هو الخروج وتصوير اللقاءات بالشوارع، التقارير، تغطية الأحداث، تصوير الحكايات التلفزيونية خارج القاهرة.. الخ، وهو دور يتطلب منهم بداهة أن يتحركوا ككتلة واحدة، يتصرفوا في المواقف المختلفة بحنكة، وفي واقع الأمر فإن هناك عشرات المواقف التي قد يتعرض لها الزملاء في الخارجي تجعلهم في نظرك أبطالا أسطوريون، بدءا من تصويرهم بالشوارع بدون وجود تصريح أمني (وهي مشكلة حقيقية)، وانتهاءاً من اضطرارهم لتغطية مظاهرات أو اشتباكات .. انتخابات ومحاكمات… وهو الأمر الذي يتطلب البقاء في الشارع لفترات طويلة ، والاقتراب دوما من الحدث الذي قد يقترن بقنابل الغاز أو الاشتباكات بالأيدي … ويصل الأمر أحيانا إلى تحطيم المعدات والسيارات الخاصة بالفريق، بل ويصل إلى الاعتداء اللفظي والبدني عليهم، والحالات كثيرة بحق … ولهم على ذلك كل الإحترام والتقدير والدعم.
وفريق التصوير الخارجي يتكون عموماً من سائق، مصور، فني أو اثنين أحدهما للكاميرا والآخر للصوت، مراسل، و مدير إنتاج… لكل منهم مسؤولياته داخل الأوردر ولا تستطيع أبدا أن تقول أن لأي شخص فيهم أهمية أكثر من الآخر… يتحركون طبقاً لرغباتنا (نحن أهل الكونترول رووم)، تلك الرغبات التي تمليها علينا دواعي العمل.
يتحرك فريق الخارجي قبل موعد التصوير بفترة كافية، يتسلم معداته، وينطلق، ليبحث عن هدفه (الشخص، المكان، القصة) ويقوم إما بالتسجيل ليتحرك بعدها المراسل إلى المونتاج .. أو يقوم ببث المادة على الهواء مباشرة عبر تقنية حديثة موجودة بمصر من سنوات قليلة فقط، تُمكن الفريق من إرسال ما يقومون بتصويره على الهواء مباشرة بدون اللجوء إلى عربات التصوير الخارجي الضخمة / باهظة التكاليف.
والصراع الأبدي بين أهل الكونترول رووم وأهل الخارجي، يعتمد في أساسه على رأي الخارجي في أن البهوات جالسين في التكييف لا هم لهم سوى إعطاء الأوامر لمن على الأرض وفي مواقع الأحداث ، بدون أي تقدير أو إحساس بإرهاقهم ودأبهم وإيمانهم برسالتهم الإعلامية، وهو رأي ينم عن جهل بطبيعة عمل أهل الكونترول والمبالغة في تبسيطه أو إن شئت التقليل من قدره.
وأهل الكونترول رووم، يرون في المجمل أن فريق الخارجي يقوم بعمله الذي اختاره، وأنهم دوماً ما يبالغون في تقدير الصعوبات، وينشدون الراحة على المقاهي ولا يبحثون عن حلول عملية لما يواجهون من مشاكل.. وهو رأي لا يخلو من تعالي واضح وعدم تقدير للصعوبات والمخاطر.
صراعٌ لا حل له على الأقل طالما كانت العقليات كما هي حالياً، وهذا مؤسف، ونصيحتي للجميع أن تفهموا بعضكم البعض … وراعوا أن الجميع مطالب ببذل الجهد من أجل التطوير و … حبوا بعض يا جماعة .
حلقاتنا القادمة سنحكي فيها عن فريق الخارجي فردا فردا .. دوره وطريقة عمله .. علَنا نجيب على التساؤل الأساسي … لماذا لا يقدر بعض أبناء الكار مجهود الآخرين؟؟
لكم المودة بلا حدود.
تواصل مع الكاتب عبر فيسبوك من هنا
تواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنا
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (9).. والمونتيرون أصناف
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (8).. جناب المونتير
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (7).. الريجيسير V.S العلاقات
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (6).. إنسان الإيربييس
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (5).. من الإيربيس للرئيس
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم.. المقال الرابع: في أهمية الـ Q
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثالث (البديع الفظيع)
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثاني (التايتل)
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الأول (البروضيوصر)