حالة من السخط والسخرية والنقد غير الموضوعي، صدرتها وسائل «الإخوان» الإعلامية المسموعة والمرئية والإلكترونية خلال الساعات القليلة التي أعقبت الزيارة التاريخية الناجحة لبابا الفاتيكان فرنسيس (بابا الكنيسة الكاثوليكية)، ورغم أن الجماعة (ذات النشاط المحظور) تمارس منذ 30 يونيو 2013 كلَّ أشكال الحرب على الدولة المصرية، التي وصلت إلى مستوى متدنٍّ ومبتذَل وحقير في مجمل ما شنَّتْه، فإنها في الأيام الأخيرة زادت من ابتذالها، وفجَرَت في خصومتها إلى حد مثير للشفقة.
ففي الوقت الذي أشاد فيه العالَم بهذه الزيارة وأهمية توقيتها ونجاح الدولة المصرية بجميع مؤسساتها، ومنها الأزهر الشريف والكنيسة وقبلهما الرئاسة والحكومة والأمن، وفي مقدمته الجيش والشرطة، في أن يقدموا مشهدًا مثاليًّا ومتحضرًا للزيارة، فإن العيون الوقحة لم ترَ إلا عفونتها الداخلية وحقدَها الدفين.
أما عيون الأحرار وعدسات المبدعين، فقد التقطت مئات الصورة الجميلة التي زَيَّنَت صُحُف وفضائيات العالم، لقطات عكست تلاحمَ قطبَيِ الديانة المسيحية (الأرثوذكس والكاثوليك) مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر، برعاية رسمية من الدولة على أرض السلام.. أرض مصر المحروسة.
ولعل أهم هذه اللقطات في ظني، كانت الاجتماع المغلق الذي عُقِد في الكنيسة البطرسية بالعباسية، حيث وَقَّع كل من بطريرك الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثاني، وبابا الكاثوليك البابا فرنسيس على بيان أنهى خلافًا شهيرًا بين أكبر كنيستين في العالم، وهو ما سُمِّي بـ«سر المعمودية».
وثاني اللقطات المهمة والمؤثرة في يومَيْ زيارة البابا، كانت الاستقبال المميز لشيخ الأزهر في فندق الماسة، الذي أثار دهشة المتابعين، وهي الدهشة التي زادت بعدها بيومين في احتفال عيد العمال في نفس الفندق، بعد أن حاز الدكتور الطيب على تصفيق حارٍّ ظل مستمرًّا حتى وقف فضيلة الإمام وشَكَر العمَّال، وتعالت الهتافات: «أزهر.. أزهر».
وقد فَسَّر حسنو الظنِّ هذه اللفتات الطيبة مع «الطيب» بأنها رسائل محبة تؤكد ثقة ودعم الدولة له، أما الخبثاء ممن أشرنا إليهم في أول المقال، فقد فسروها على أنها «مسك الختام»، قبل أن تغدِر الدولة بالأزهر وشيخه وتستصدر قانونها المعيب عبر البرلمان، والذي اتفق فقهاء القانون على عدم دستوريته.
في كل الأحوال، لن نسمح للخبثاء بسرقة فرحتنا بأسعد اللحظات الروحانية التي عاشتها مصر، والتي غَسَلَتْ عن ثوب الوطن بعضَ أحزانه التي فجَّرَتْها أحداث التاسع من أبريل في كنيستَيْ طنطا والإسكندرية، ولهذا تكاتفت أجهزة الدولة لتؤكد للعالم أن مصر حصنُ الأمان، وهو ما دعمه «سفير المحبة» البابا فرنسيس عندما رفض استخدام سيارة مصفَّحَة خُصِّصَت لزيارته، مفَضِّلًا بدلًا من ذلك التنقُّلَ في سيارة «فيات» زرقاء بسيطة، مقدمًا رسالة ذات مغزى، ومشهدًا لا تخطِئُه العين.
وقد أظهرت لقطات كثيرة ومتنوعة حركة السيارة بينما زجاجها مفتوح، والبابا داخلها، في سلوك متَّسِق مع دعوته قبل مجيئه إلى مصر، حيث قال إنه جاء برسالة سلام لا تخشى العنف، وهو ما أكدته أيضًا كلماته في القاهرة: «لنكرِّر معًا، من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر والمؤمنين، لنكرر – لا – قويَّةً وواضحةً لأي شكلٍ من أشكال العنف، والثأر والكراهية يُرتَكَب باسم الدين أو باسم الله».