لماذا فشلت القنوات الإقليمية جماهيريًا؟ (3).. القنال

رباب طلعت

منذ أن طلت مجموعة القنوات الإقليمية، في شكلها الجديد، كـ”شبكة تلفزيون المحروسة”، في الأول من يونيو 2011، منتقلة من البث الأرضي، إلى القمر الصناعي المصري “نايل سات”، لتصبح واجهة إعلامية لمصر، كما صرح وقتها صلاح الدين مصطفى، رئيس قطاع القنوات الإقليمية باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهي لم تلقَ إقبالًا جماهيريًا كنظيراتها، من شبكات القنوات الخاصة، لعدد من الأسباب التي يرصدها “إعلام دوت أورج“.

نرشح لك: لماذا فشلت القنوات الإقليمية جماهيريًا؟ (1).. القاهرة

تضم شبكة قنوات المحروسة 6 قنوات، منهم “القنال”، أو كما عُرفت على التلفزيون الأرضي بـ”القناة الرابعة”، التي بدأ بثها عام 1988، من مقرها في الإسماعيلية لخدمة إقليم قناة السويس (الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس، وشمال وجنوب سيناء، بالإضافة إلى الشرقية).

نرشح لك: لماذا فشلت القنوات الإقليمية جماهيريًا؟ (2).. الإسكندرية

أزمة صوت

لعل الصوت هو المشكلة الأولى والدائمة التي تواجهها فضائية “القنال”، والتي تتسبب حتمًا في إزعاج المشاهد، فكافة البرامج تقريبًا سواءً كانت البث المباشر، أو المسجلة، أو المصورة داخل الأستوديو أو خارجه، تعاني من أزمة انقطاع الصوت على المتحدث، سواء كان الضيف أو المذيع بشكل متكرر خلال الحلقة، ما يتسبب في تشتيت المشاهد أو ملله، فيقرر تغيير القناة حتى وإن كان الموضوع المطروح للنقاش يهمه.

ليس فقط مشكلة انقطاع الصوت، هي الأزمة الوحيدة التي يعاني منها مشاهد “القنال”، فابتعاده أيضًا وعدم صفائه في أوقات كثيرة في الأستوديو، لاستخدامهم ميكرفونات قديمة مثبتة على الطاولات بعيدًا عن الضيوف والمذيع، بدلًا من الحديثة التي تثبت على الملابس ورابطات العنق، لضمان عدم التشويش على الصوت.

كذلك في التقارير أو الحوارات الخارجية، التي غالبًا يتم تصويرها دون أية ميكرفونات معتمدين على الميكرفون الحساس المثبت في الكاميرات، ما يتسبب دائمًا في التشويش على صوت المتحدث أو عدم سماع صوته من الأساس؟

محتوى فارغ

لا يوجد أدق من وصف “محتوى فارغ”، للتعليق على أغلب ما تحتويه البرامج المختلفة، المعروضة على شاشة قناة “القنال”، ففي الوقت الذي يبحث فيه المشاهد بين مئات القنوات عن الإثارة أو الغموض، أو قضايا الرأي العام، أو النزاعات والمداخلات الساخنة بين الضيوف، أو غيرها من عوامل الجذب التلفزيونية، التي تعتمد عليها القنوات الأخرى لم تقدم “القنال” أي شيء، فمع قلة عدد البرامج، وقلة تنوع الأفكار، انحصرت القناة على البيانات الصحفية التي يرسلها العاملون في قسم الإعلام بالمحافظات والجامعات، للعاملين في قطاعي الصحافة والإعلام، أي أن ما يشاهده المواطن على القناة، بالنسبة له “أخبار محروقة” في أكثر من موقع إخباري من قبل، إن لم يكن قرأه بنفسه على الصفحات الرسمية للجامعات والمحافظات، والتي باتت تهتم بنشر البيانات الصحفية للمواطنين أيضًا، ضمن محاولات تطوير مفهوم الشفافية مع الشعب.

وإن كانت الفرصة الوحيدة، لاجتذاب المشاهد الذي يحبذ الابتعاد عن السياسة والقضايا والمشاكل، هي برامج المنوعات سواء كانت فنية، أو رياضية، أو دينية أو موجهة للمرأة والأسرة، والتي كان من الممكن أن تستغلها القناة بشكل جيد لزيادة متابعيها، أضاعتها هي الأخرى تمامًا، ففي برنامج “أغاني ووحشاني”، على سبيل المثال، تقدم المذيعة مجموعة من الأغاني القديمة، والتي يفضلها البعض، مكتفية بذكر اسم الأغنية والمغني فقط، دون أي تعليق أو معلومات إضافية، أو إضافة طابع خاص للبرنامج، بذكر قصة متعلقة بتصويرها، أو معلومة لا يعرفها المشاهد، بدلًا من عرضها فقط، وهي المهمة التي من الممكن أن يقدمها “اليوتيوب”، وبخيارات مفتوحة أكثر.

كذلك برامج المرأة والدين، ففي أحد البرامج المعني بالطب النبوي، تناولت الحلقة فوائد قرع العسل بشكل يدعو للسخرية، فضيفة البرنامج أثناء حديثها عن فوائده الصحية التي عجز الطب أمامها، أكدت أنه أثناء طهوها له في المطبخ جرحتها السكين جرحًا عميقًا، إلا أنه وبمجرد أن نزل السائل الموجود بداخله على يدها اختفى الجرح تمامًا!

أما البرامج الرياضية، والتي تبدأ بعد العاشرة مساءً في الأغلب، قبل الفقرة الغنائية التراثية الأخيرة، وحلقة المسلسل، قبل إغلاق القناة بثها، والتي تتناول غالبًا مباريات وأخبار رياضة مدن قناة السويس، أشبه ما يكون بجلسة “دردشة”، لمجموعة من الهاويين، ومحبي الرياضة، الذين يحللون ويفندون الأخبار على زوقهم، مبتعدين تمامًا عن محاولات الاتصال بنجوم الكرة، أو الأطراف المتنازعة، أو الأخبار الرياضية العامة التي تشغل الرأي العام كله، ومنهم أبناء قناة السويس، كانسحاب الزمالك من مباراة مصر المقاصة.

كان للأخبار، خاصة النشرة الجوية نصيبًا من وصف “المحتوى الفارغ” أيضًا، فخلال دقيقة واحدة فقط عرضت مقدمة النشرة التي لم تظهر على الشاشة إلا بصوتها درجة الحرارة الصغرى والكبرى، مع صورة للبحر، كخلفية للخبر، وبعدها صورة لدرجات الحرارة في محافظات “القنال”، لم تستغرق ثواني، لا تمكن المشاهد من قراءتها.

ظل المحافظ

في الوقت الذي من المفترض أن يكون الإعلام في صف المواطن، وصوته المُطالب بحقه، تحولت “القنال” إلى “ظل المحافظ”، وإن جددت أصبحت “صوت الجامعة”، فلا تتحول كاميرا القناة في الغالب عن إنجازات محافظي المحافظات الـ5، فالأخبار والبرامج، كلها ما بين خط سر المسئولين، وإنجازاتهم في المحافظة، من إعادة رصف طريق، لإنارة قرية إلى خلافه، أو من داخل أسوار الجامعة، لرصد ملتقيات وندوات الكليات، التي يحضرها رئيس الجامعة، مع تصوير لجزء من كلمته وكلمات الضيوف بشكل عشوائي، لا يفيد المشاهد، حتى من طلاب الجامعات بشيء، وإن ظهر أحد المواطنين فيها كان ظهوره مرتبًا للمدح في تلك الأعمال التي هي من صميم عمل القائمين عليها، ما يعكس للمشاهد انطباعًا بأن “الحياة وردي”، ولا يعاني المواطن البسيط سواءً في الريف أو المدينة من أية مشاكل، على عكس الواقع تمامًا، والذي ترصده الصحف الإقليمية، التي لا تخلو من شكاوى المواطنين وقضاياهم.

في المرات القليلة التي يظهر فيها المواطن على “القنال”، تكون في برامج المواهب، منها “أنا والبحر” والذي استضاف أحد شعراء بورسعيد، والذي بدأ يحكي قصته مع الشعر، في مبادرة جيدة من القناة تحسب لها للبحث عن المواهب وإسقاط الضوء عليها، لكن أية مواهب؟ فالضيف أقرب ما يكون لشخصية الشاعر التي تناولها عادل إمام في فيلمه “مرجان أحمد مرجان”، إلا أنه لم يلقِ “الحلزونة”، بل ألقى “الشنجر بنجر نو”، و”إيجيبشياني”!

قضاء واجب

تظهر حالة عامة من عدم التحمس على أغلب العاملين في القناة، فيظهرون على الشاشة أنهم مجبرين على أمرهم ويعملون بـ”دون نفس”، ما يتسبب في إخراج العمل المطلوب بكم كبير من الأخطاء، والتي لا تخلو منها برامج القناة، فبداية من تقارير “القنال اليوم”، سواء كانت من داخل شون القمح، أو الجامعة، وقع مصوروها في أخطاء فادحة، بداية من التصوير المتقطع لكلمات الضيوف، والتي لم تركز على نقاط هامة، أو جذابة، أو على أقل تقدير متكاملة، يفهم منها المستمع شيئًا ما، بل كانت مقتطفات بلا معنى، لا تعطي أي معلومة سوى أن هناك حدث ما في الجامعة، يحضره رئيسها.

تمتد الأخطاء التصويرية إلى برنامج “أنا والبحر” أيضًا، فالمصور ركز على الشاعر، وقرب منه الكاميرا حتى أصبح حجمه أكبر من اللازم وأخذ حيزًا كبيرًا من الشاشة، ما تسبب في اختفاء أجزاء أساسية من جسده، مثل أعلى رأسه، وقدمه من أسفل، كما اختفت خلفية البحر وراءه، وظهر الأطفال يلعبون خلفه بطريقة كانت أشبه بأفلام “الأبيض والأسود”، ظهرت وكأنها تركيب، ما لا يتناسب مع تقنيات التصوير الحديثة، وذلك بسبب قرب عدسة الكاميرا من الضيف، لعدم وجود ميكرفون.

تظهر الأخطاء أيضًا، أو من الممكن وصفها “حالة الزهق”، على مقدمة برنامج “القنال في قلب الحدث”، والتي منذ اللحظة الأولى لبدء البرنامج، وهي تستقبل رسائل على هاتفها الخاص، عبر “الواتس آب”، دون أن تغلق الصوت على الهواء، أو حتى تعير ذلك اهتمامًا، بالإضافة لقراءتها المستمرة من الأوراق المنظمة أمامها دون النظر في “التاب” الموضوع أمامها، على خطى أغلب الإعلاميين في الوقت الراهن، ليس هذا فحسب، فأثناء المداخلة الهاتفية لمديرة مكتب اليوم السابع في الشرقية، معها في البرنامج، والتي كانت تلخص لها عدد من الأحداث الأمنية في المحافظة، كانت تبحث وسط الأوراق، ما أدى لتشويش على صوت المتصلة، وظهرت غير مكترثة بما تقوله، حتى أنها لم تعلق على أي من الأخبار التي عرضتها الصحفية.

نفس “حالة الزهق” تلك ظهرت وبشدة على مقدم برنامج “استاد القنال”، والذي يقدم برنامج آخر على نفس القناة هو “القنال اليوم”، فبمجرد انتهاء حلقة الإستاد، نزع المذيع “الأير بيس”، قبل خروج التتر، ونهض مباشرة استعدادًا للخروج من الأستوديو.

فرق توقيت

أكثر ما يمكن أن يميز القنوات الإقليمية، هي الأخبار العاجلة والحصرية، المتعلقة بالمحافظات التي تغطيها، خاصة لتركيزها عليهم، وتوفر مراسليها فيها، ما يعني الوصول للخبر قبل أي أحد، وهو ما حدث عكسه تمامًا سواء في نشرات الأخبار، أو البرامج الإخبارية، المتشابهة تمامًا على قناة “القنال”، والتي عرضت على سبيل المثال يوم الأحد 23 إبريل، خبرًا لضبط قوات الأمن للمئات من الألعاب النارية، قبل “شم النسيم”، بعدة أيام.

فرق التوقيت أيضًا ظهر في الاختيار الخاطئ لمواعيد إذاعة البرامج، فالفقرة التعليمية التابعة لقطاع التعليم الحكومي، والتي شُرح خلالها عدد من المناهج منها اللغة العربية، والدراسات الاجتماعية، ثم فقرة مخصصة للشهادة الابتدائية، تم إذاعتها في تمام الثانية عشر ظهرًا، يوم الأحد، أي أن جميع الطلاب من المفترض أنهم في المدارس.

عرضت القناة بعد تلك الفقرة، في تمام الثانية والنصف ظهرًا، برنامج “آكلة هنية”، والذي يقدم وصفات طبخ جديدة لربات المنزل، في الوقت، الذي من المفترض أن أغلب ربات المنزل انتهين من الطبخ استعدادًا لخروج أبنائهن من المدارس، وأزواجهن من العمل، والعاملات مازلن في طريقهن للمنزل.

مشاهد غريبة

امتازت “القنال” بعدد لا حصر له من المشاهد التي تحتاج إلى تفسير للمشاهد، فمثلًا في تتر البداية للبرنامج التعليمي الموجه للشهادة الابتدائية تظهر فيه صورة مرسومة لطفلة من المفترض أنها لم تتجاوز الحادية عشر من عمرها، باعتبارها مقيدة في الصف السادس الابتدائي بالحجاب، وهو الأمر الغريب على التشريع الإسلامي نفسه، باعتبارها لم تدخل بعد في إطار التكليف بالحجاب، وهو الأغرب من طريقة عرض الدروس نفسها، التي كانت أشبه بقراءة بصوت عالِ لكتاب المدرسة، فالشرح كان تقليديًا مشجعًا جدًا على الدروس الخصوصية!

المشهد الأغرب كان في برنامج “آكلة هنية”، في حلقة الأحد، والتي استضافت مقدمة البرنامج خلالها طبيب تغذية للحديث عن الريجيم وإنقاص الوزن، والأكلات الصحية، مشددًا على ضرورة الابتعاد عن بعض الوجبات تمامًا كالسكريات والدهون، والطعام المركب والدسم، كان طباخ البرنامج يعد دجاجًا مقليًا، بجانب معكرونة بالكريمة، وطبق من الحلويات، لتخبر المذيعة الطبيب في نهاية الحلقة، أن وقتها انتهى وتفضل أن تختمها لأنهم جاعوا، والطعام أًصبح جاهزًا.

أما في برنامج “نت شو” والذي من المفترض أنه يناقش أجدد ما يتم تداوله على شبكة “الإنترنت”، كما يدل اسمه، كانت أغلب مواضيعه قديمة، وتاريخية، والمعلومات المتناولة خلال الحلقة ثقافية بشكل كبير، وبعيدة تمامًا عن اهتمامات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من فئة الشباب، بالرغم من المحتوى الجيد الذي يقدمه، إلا أنه ظُلم بعدم ملائمة اسمه معه.