لكل معلق كروي مصطلحات ولزمات تميزه عن باقي زملاءه، جمل تحولت إلى ما يشبه التراث الذي أمتع أجيال من المشاهدين، جمل مثل “هاتها من الشبكة” و “القادمون من الخلف” للراحل حمادة إمام، أو “اللي كان بيشرب سيجارة في البلكونة نحب نقول له..” للراحل محمود بكر، “عنقود مهارات” و “يرتدي قفاز الإجادة” للمعلق الذي مازال يمتع الأجيال ميمي الشربيني، أو “نموذج” لأشرف شاكر المعلق الرياضي الذي إستطاع منافسة الكبار في التسعينات قبل إتخاذه قرار الهجرة.
ثم بدأ عصر فضائي جديد إتجه فيه أحمد شوبير ومدحت شلبي للتعليق، وتميزا قبل أن يتركا التعليق ويتفرغا إلى تقديم البرامج والستوديوهات التحليلية، و برز جيل حاتم بطيشة وأحمد الطيب وعلي محمد علي، قبل أن يتجهوا إلى القنوات العربية، وهي نفس فترة ظهور إسلوب تعليق جديد قادم من شمال أفريقيا، وتحديدًا من تونس الخضراء، حيث أتى عصام الشوالي ورؤوف خليف، إسلوب تعليق مختلف وحماسي طوال الـ90 دقيقة، جمل رنانة ذات قافية، ظهور الشوالي وخليف أدى إلى حدوث تغير في الذوق العام وأصبح للمرة الأولى يوجد مشاهدين يفضلوا مشاهدة المباريات الأوروبية والأفريقية بالتعليق التونسي بدلًا من التعليق المصري.
بعد وفاة الراحل محمود بكر، بدأ عهد رياضي جديد بعد حصول قناة أون سبورت على حق عرض الدوري المصري، ليتصدر مشهد التعليق في مصر معلقي قناتي ON Sport و dmc sports،القناتين الحاصلتين على حقوق بث الدوري المصري الممتاز، وجميعهم من خريجي التليفزيون المصري المتميزين الذين إستطاعوا جذب القناتين للتعاقد معهم.
المشكلة وقعت عند إنتقال المعلقين من التليفزيون المصري إلى القنوات الفضائية الخاصة حيث شريحة المشاهدة الجماهيرية أكبر.
بعض هؤلاء المعلقين فضل الحفاظ على الإسلوب الذي بدأ به مسيرته في التليفزيون المصري، والبعض الأخر وقع في فخ الحيرة بين مدرسة المعلقين المصريين والمدرسة التونسية، وقرروا المزج بين الإسلوب المصري والإسلوب التونسي، فكانت النتيجة الإسلوب الذي يمكن تلخيصه في عبارة
“زعق بوزن وقافية في أى لعبة بالعافية”
نشاهد 90 دقيقة من التردد بين محاولات المعلق لإكتشاف مهاراته الشعرية المدفونة، وترديد أى جمل تتناغم وتتقافى بنبرة حماسية لا تتناسب مع وتيرة مباريات الدوي المصري التي تلعب بدون جماهير، وبين الحفاظ على الإسلوب التقليدي وإطلاق مصطلحات تميز المعلق، فتكون النتيجة تعليق مضطرب وغير متوازن.
ذلك التردد الذي يقع فيه بعض المعلقين، خطأ يجب عليهم التوقف عن تكراره، والإلتزام بمدرسة التعليق المصرية، لأن ذلك هو ما يميز المعلق لدى المشاهدين، علي محمد علي يعلق في نفس الشبكة مع الشوالي وخليف، لكنه يتمسك بإسلوب التعليق الذي عرفه به المشاهدين، نفس حرص الشوالي وخليف على الحفاظ على هويتهما التونسية في التعليق بالرغم من أن حسابات التعليق لمشاهدين الوطن العربي من المحيط إلى الخليج أكثر تعقيدًا من التعليق لمشاهدي الدوري المصري في فضائية مصرية.
فمشاهد الدوري المصري لا يبحث عن تعليق حماسي أو يتوقع الإسلوب التونسي في المباريات المحلية، ويكفي أن مدحت شلبي عاد للتعليق في مباراة مصر وغانا ، بنفس إسلوبه المميز،ولازمته الشهيرة “هالله هالله هالله”، ثم قال جملة “عبدالله السعيد.. مين جاور السعيد يسعد..شوفلي شقة جنبك ياسعيد”، والجميع يعرف رد الفعل الإيجابي لتلك العبارة، التي لخصت سعادة المصريين عقب الفوز على غانا، خاطب المصريين بإسلوب التعليق المصري، وابتكر في مصطلحاتك كما تشاء، عندما فعلها أيمن الكاشف وأطلق لقب “ابو التفانين حدوتة” على رمضان صبحي، أحب المشاهدين اللقب وإلتصق به حتى بعد إنتقاله للعب في الدوري الإنجليزي، لكن لا أحد يتذكر عبارات القافية التي يطلقها الكاشف أثناء المباريات.
اما محمد الغياتي، فينفرد بخطأ يكرره كثيرًا عندما يتحمس أثناء التعليق على المباريات، فبالرغم من إمتلاكه لإسلوب تعليق متزن وقدرة جيدة على وصف أحداث المباراة، إلا أنه قد يفقد تلك الميزة عند إحزار أحد اللاعبين لهدف، ويبدأ في إطلاق عبارات غير مناسبة لوصف كرة القدم، كأن يصف تسجيل اللاعب للهدف بالضغط على زرار تفجير اللغم، أو تفجير قنبلة ،المهم أن شيء ما قد إنفجر عندما سدد اللاعب الكرة.
ربما يجد محمد الغياتي أن تعليقاته تميزه عن زملاءه من المعلقين، لكن في إعتقادي أنها تضعفه كمعلق كروي من الممكن أن يتميزأكثر لو وجد لغة تعليق أنسب خالية من البارود.
لكن بشكل عام، محمد الغياتي وأيمن الكاشف ورفاقهم من معلقي قناتي ON Sport و dmc متميزين، ويمتلكوا من الأدوات ما يجعلهم يصنعوا اسماء مميزة، لكن يجب على بعضهم التوقف قليلًا لمراجعة بعض الأخطاء التي وقعوا فيها، لأن المشاهد يستحق تعليق أفضل، ولأنهم يمتلكوا ما يجعلهم معلقين أفضل مما هم عليه الأن.