قبل 26 عاما رحل محمد عبدالوهاب، فوقع الإعلام المصري في مأزق، إنه أيضا يوم ميلاد حسني مبارك، ولا يجوز أن يتحدثوا عن وفاة فنان حتى ولو كان بحجم موسيقار الأجيال، ولديهم ما هو أهم، إنه عيد ميلاد الأمة التي ولدت يوم ميلاد الرئيس المفدى، كان ينبغي ألا نذرف دمعة واحدة على الملحن العظيم، ونحن نُشعل شموع تورتة عيد الميلاد لزعيمنا الأعظم.
وهكذا تم التعتيم في كل أجهزة الإعلام، على يوم ذكرى عبدالوهاب وبتوجيهات مباشرة، مثلا القنوات المتخصصة، مثل إذاعة الأغانى الرسمية، تُقدم أوبريتات وأناشيد تتغنى بمبارك، ماتت جميعها ولم يبق في الذاكرة سوى «اخترناه اخترناه /واحنا معاه لمشاء الله»، وهكذا قرر الشاعر عبدالسلام أمين والملحن عمار الشريعي أنه سيظل معنا حتى نهاية القدر، قدر الشعب أم قدر مبارك، الإجابة مفتوحة.
منذ قيام ثورة 25 يناير عاد مرة أخرى الاحتفال بذكرى عبدالوهاب، وقدمت له مؤخرا إذاعة الأغاني يوما كاملا لألحانه التي غناها بصوته أو التي تغنى بها أم كلثوم وعبدالحليم وفيروز ونجاة وصباح وصولا إلى شكوكو وإسماعيل يسن، كما أنها لم تعد تأتي على ذكر «اخترناه» وأخواتها، أين ذهبت أغنيات مبارك؟ إنها من الأرشيف وإلى الأرشيف تعود، أين الأقلام التي كانت تبتهج طربا بهذا اليوم الموعود، وللتذكرة فقط كان عدد من رؤساء تحرير الصحف يكتبون بأنفسهم باب «حظك اليوم» حتى يقرأه الرئيس في الصباح الباكر ليتأكد أن الدُنيا كلها ترقص فرحا «عشرة بلدي» على أنغام «اخترناه».
وللتوثيق، كان عمار الشريعي صاحب بصيرة، وقبل نجاح الثورة في خلع مبارك، له مكالمة شهيرة مع منى الشاذلى في «العاشرة مساء» وهو يقول له «نعم أنا عملت (اخترناه) ولكني أقول لك ارحل». قيمة مكالمة عمار أنه لم ينتظر 11 فبراير يوم إجبار مبارك على مغادرة كرسي الحكم. الزمن تغير. صحيح الإذاعة الرسمية لم تحتفل بعيد ميلاد مبارك واكتفت بذكرى عبدالوهاب، إلا أن هناك نغمة أخرى لا تزال خافتة، نلاحظها في عدد من المواقع التى تتغنى به مثل قريته في كفر المصيلحة أو أمام مستشفى المعادي برغم أنه غادره، الهتافات بعدد محدود جدا من الأشخاص، مثل «يا جمال قول لأبوك/ كل المصريين بيحبوك» أو «يا مبارك قول لجمال/ الشعب أهو ندمان»، يقصد طبعا ندمان أنه ما سمعش كلامه ووافق أن يسلم له مفتاح مصر، أو «اللى ييجي على أبو علاء/ يستحمل الغلاء»، ولا تدرى مين مفروض يقول لمين، جمال يقول لأبوه ولا أبوه يقول لجمال، ولا الاتنين ينتظروا علاء هو اللي يقول.
نعم نعيش في حرب طاحنة من أجل لقمة العيش، بسبب الغلاء الفاحش، والفشل في إدارة العديد من الملفات الحيوية، ويدفع المواطن الثمن، ولكن هل معنى ذلك أن يتحول عيد ميلاد مبارك للنيل من ثورة 25 يناير؟ إنها ثورة شعب أيدها في لحظات مصيرية الجيش، هل نسينا الدبابة التي كُتب عليها «يسقط حسني مبارك» وكان وقتها هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، أو عندما توجهت فوهات مدافع الحرس الجمهوري إلى بيته في رسالة واضحة «ارحل لن نحميك من غضب الجماهير».
الزمن لن يعود، والمليارات التي تضخ لتحسين صورة العائلة التي كانت تحكم مصر تراهن على سراب، يا علاء قول لأبوك «الشيكولاتة ساحت/ راحت مطرح ما راحت»!!