اقتربنا من أن تصبح لدينا وظيفة بهذا العنوان، يحترفها الفاشلون والمتنطعون، بعضهم من السياسيين أو الإعلاميين، وهناك آخرون أكاديميون ممَّن فاتهم قطار القدرة، وسقطوا من قمة الهرم إلى منخفض المرارة والحقد، فتفَرَّغوا للجلوس على مقاهي الحياة الممتدة من حي الحسين وحتى شارع القصر العيني، يتحينون أي فرصة ليصطادوا من مياه الأزهر التي تمتلئ وتتزين بالخيرات من فضل الله، لكنّ هؤلاء الصيادين لا تحبل سنانيرهم إلا بالموءودة والجيفة والحثالة.
يصطادون ويتصيَّدون، ثم يلوكون صيدهم في أفواههم لتزداد نتانته وعفونته، ثم يُصَدِّرونه للمجتمع، كأنه اكتشاف أدبي أو علمي، أو سَبْق صحفي أو عمل وطني، وقد تعالت أصواتهم في الأيام القليلة الماضية، بعد أن أعاد المصريون الاعتبار للأزهر وشيخه ومشيخته، وتصدوا لإيقاف الحملة الممنهجة لـ«تقزيم» هذه المؤسسة العريقة، وتجلَّتْ صور المحبة، وتوالت، ووصلت إلى حالة اصطفاف شعبي يضم المجتمع بطوائفه المختلفة، ويقوده زمرة من نواب البرلمان المحترمين، ومعهم نخبة من قادة الفكر والرأي وإعلاميين وسياسيين.
وفجأة، ومع اكتمال حالة الاصطفاف، تفَجَّرَت قصة هامشية ألهت العقول وشتت انتباه الجميع، لعب بطولتها أستاذ جامعي ورئيس جامعة (للأسف الشديد)، وكان ضحيته هو المدعي بتجديده، والممتطي جواد بطولته الزائفة، الوهم الإعلامي والفقاعة الفكرية الفتى المملوح، الذي وصفتُه ذات ليلة على صفحتي الرسمية في الـ«فيس بوك» بعد أن تابعتُهُ في حوار فضائي ممِلّ، وقلت نصًّا: «لو بحيري ده تجديد.. يبقى أبو لهب كان نبي.. #دين_إسلام_اسمه_إيه».
لن أسقط في فخ الاستطراد في الحدث «التافه»، ولا توابعه الأكثر «سذاجة»، وسأكتفي بما أشرتُ إليه، حتى لا أكون مع المنزلقين في ساحة المعركة الوهمية التي أُعِدَّت ببراعة وإحكام كي تُسقِط من ذاكرة المصريين الصور الرائعة التي سجلها التاريخ لأزهرهم الشريف وإمامهم الطيب، والتي دفعها حضور بابا الفاتيكان، نهاية الشهر الماضي، إلى العالمية، فتصدرت صورة العناق التاريخي بين قطبي الإسلام والمسيحية، كبرى صحف العالم، وزَيَّنَتْها عبارات مثل: «أحضان البابا وشيخ الأزهر في مواجهة العنف»، في صحيفة «كوريري ديلا سيرا» الإيطالية الشهيرة، أما صحيفة «ABC» الإسبانية الشهيرة فقد وضعت صورةً كاملةً للبابا وشيخ الأزهر على غلافها وبجانبها عنوان: «عناق تاريخي بين البابا والإمام الأكبر يفضح الإرهاب المتخفي تحت اسم الدين»، بينما عنونت الصحيفة الإيطالية الشهيرة «لا ريبيبليكا» قائلة: «قبلة السلام تجمع بين البابا فرنسيس والإمام الأكبر»، وذلك بحسب تقرير صحفي نشره موقع «العين الإماراتي» صبيحة الزيارة التاريخية.
استكثر البعض نجومية الأزهر وعالميته، فاجتهدوا ليعكروا ماءه الصافي، ويفسدوا فرحه الدائم بمحبة المصريين والمسلمين، وهو أمر على الأزهر والأزهريين المجدِّدِين أن يتدبروه؛ فيستمروا في مسيرتهم الإصلاحية (داخل أروقتهم) ودورهم التنويري (لعقول جميع المسلمين)، ويحافظوا على استقلالهم بمزيد من التطهر والتطهير، ويتمسكوا بمنهجهم مع كثير من التطور والتطوير.
حفظ الله مصر.. وحمى جيشها.. وأنار أزهرها.