تطور "تقاليع" أغنية التخرج.. كبت أم كسر قاعدة؟

رباب طلعت

ذكريات تُترك على مدرجات الكلية، أو حوائطها، أو حتى أبواب الحمامات، صور تذكارية، تختطف بها الدفعات، لحظات ستولي، ولن يبقى منها إلا “الصحبة الحلوة”، بعد التخرج، طرق كثيرة ابتكرها طلاب الجامعات للاحتفاظ بذكرى أيام الدراسة بعد تخرجهم، تطورت حتى وصلت إلى ظاهرة “أغنية التخرج”، التي انتشرت خلال السنوات الماضية، وبرزت هذا العام بشكل ملحوظ.

(1)

ظهرت الفكرة البدائية لـ”أغنية التخرج” منذ عدة سنوات، قبل 2010، مع بداية الاستخدام الطفيف لمواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك “اليوتيوب”، المفضل لأكثرهم، والذي بدأ في الانتشار في خطىً هادئة بين أجيال الثمانينات وبداية التسعينات، من طلاب الجامعات وقتها، على شكل فيديو لصور مجمعة، لبعض طلاب الدفعة، مع تركيب أغنية مناسبة عليه، ورفعه على الإنترنت ليصبح مرجعًا لهم حينما يأخذهم الحنين في أي وقت، كما حدث في حفل تخرج دفعة 2009، ألسن المنيا، والتي اختاروا لها أغنية أجدع صحاب.

(2)

تطورت الفكرة قليلًا منذ بداية عام 2010، وما تلاها من أعوام، على الأكثر عامين، لتتحول الأغنية من مجرد أغنية شهيرة لأحد الفنانين المعروفين، إلى واحدة صُنعت خصيصًا للدفعة، ويغنيها أحد الطلاب الموهوبين فيها، ليكن هو صوت دفعته، كأغنية الدفعة (43)، لكلية الطب، في جامعة المنصورة والتي غناها الطالب أحمد علي أشرف عام 2011، وفي نفس العام، واحدة أخرى لكنها كانت “لايف” في حفل تخرج طلاب طب القصر العيني، بصوت كريم السيد، وركزت كلمات الأغنيتين على معاناة الأطباء خلال الـ7 سنوات دراسة في الجامعة، وفرحة النجاح.

(3)

في دفعات ما بعد الثورة، ظهرت “أغنية التخرج” بشكل أكثر مهارة، و”خفة دم”، يتناسبان مع تطور الدفعات، الجديدة، التي أخذت معها “السوشيال ميديا”، حيزًا أكبر، بعدما ذاع صيتها باعتبارها المحرك الأساسي في ثورة يناير، ومع تزايد المتفاعلين عليها من كافة طبقات، وأعمار المجتمع، خاصة من الشباب الذين بدءوا في التطلع للحياة في البلدان الأخرى، وزيادة “التقاليع”، كما يسميها البعض، والتي خرجت للنور إلا أنها لم تحظً بشهرة واسعة، إلا في عام 2016، عن طريق أغنية تخرج صيدلة القاهرة، “فاكر أيام الكلية”، المعاد صياغتها من إعلان “بيبسي”، في رمضان 2014، “فاكر أيام لمتنا”، لتتناسب مع أحداث الكلية، والطريف فيها كان أنها بمشاركة عدد كبير من طلاب وطالبات الدفعة، لتلخيص معاناتهم خلال السنوات الخمس في الكلية، فلاقت إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، محققة مليون مشاهدة خلال الأسبوع الأول فقط من نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

(4)

في 2016 أيضًا كان هناك عدد من المحاولات، الأخرى للدفعات بالخروج بنفس مستوى “فاكر أيام الكلية”، إلا أنها لم تكن محظوظة نفسها ولم تلقَ نفس الشعبية، بالرغم من اختيار الدفعة 62، حقوق عين شمس لأحد أشهر الأغاني “بشرة خير”، للفنان حسين الجاسمي، والتي كان لها نصيبًا كبيرًا من الفيديوهات المقلدة لها، بإعادة صياغة اللحن على كلمات أخرى، والتي ضاهت في الوطن العربي شعبية “جانجم ستايل” الكورية، في العالم، إلا أن اعتماد الأغنية على “شلة صحاب”، وليس ظهور عدد كبير ومنظم من الدفعة، جعلها تتراجع، وتنتشر على استحياء بين الطلاب.

(5)

كان من الطبيعي انتظار مثل تلك الظاهرة في 2017 بشكل أوسع وأكثر كثافة وهو ما حدث بالفعل، فخلال الأسابيع القليلة الماضية، مع بداية استعداد طلاب السنة الأخيرة من الكليات المختلفة، لخوض امتحاناتهم الأخيرة، ظهرت بالفعل عدد كبير من الأغنيات بتشكيلة واسعة، وباختيارات مختلفة، وأيضًا في كليات ومحافظات متباعدة، فدفعة صيدلة المنيا اختارت أغنية إعلان العام الماضي لمركز الدكتور مجدي يعقوب للقلب “جمد قلبك”، أما الدفعة 149، من حقوق القاهرة، فاختارت أغنية سميرة سعيد “محصلش حاجة”، بصوت إحدى الطالبات، وهو ما أشادت به الفنانة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي، ما يعني نجاحًا غير مسبوق لأغنية من ذلك النوع.

https://youtu.be/QMmdvyd1NrY

(6)

بالرغم من التشابه الكبير، بين أغنيات الدفعات المختلفة، على مر سنوات تطورها، وتأكيدهم خلالها على سنوات العذاب في الكلية، بسبب الامتحانات والدراسة، وغيرها، إلا أنها اعتمدت أغلبها على اختيار أغنيات شهيرة، أو ذات صيت كبير وقتها، وذات طابع “فرايحي”، وليس حزين بالمرة، مثل “بشرة خير”، أو “محصلش حاجة”، أو “إيا إيا أوه”، كما في الدفعة 53 لطب طنطا، عام 2017، وطب سوهاج عام 2015، مثلًا، كذلك الإعلانات التي تركت بصمة كبيرة خلال المواسم الرمضانية تحديدًا كـ”افتح قلبك”، و”فاكر أيام لمتنا”.

https://youtu.be/pbA84XVdPr0

(7)

هنالك عدد من التجارب التي لم تلقَ شهرة واسعة، إلا أنها كانت”مختلفة”، وخرجت عن الإطار التقليدي، أو حاولت فعل ذلك، مثل الجرأة التي ظهرت بها أغنية قسم ديكور لدفعة 2013 فنون جميلة المنيا، والذين نوهوا في أول الفيديو أن “اللي هيتكسف يقوم دلوقتي”، بنفس الطريقة التي كان يستخدمها الإعلامي باسم يوسف، في بداية حلقة برنامجه “البرنامج”، كذلك أغنية دفعة 2015، من طلاب كلية طب سوهاج، والذي خرجت بمباركة الجامعة التي رفع الصفحة الرئيسية للمركز الإعلامي الخاص بها الفيديو، الذي بدأ بلقطة ولادة إسماعيل يس، في فيلم “الآنسة حنفي”، ولقطة من خبر الزلزال الذي ضرب مصر، ليبدءوا الغناء لافتين إلى أنهم “الدفعة اللي اتولدت بزلزال”.

(8)

يجب الوقوف أيضًا عند علاقة انتشار تلك الظاهرة، بالكليات “الأصعب”، بحسب التصنيف الاجتماعي، فأغلب فيديوهات “أغنية التخرج” خلال السنوات الماضية، عامة، والسنة الحالية خاصة، كانت تتراوح ما بين الكليات الطبية (طب بشري، وأسنان، وصيدلة)، ومؤخرًا علوم، وما بين حقوق، في اختفاء أو ظهور على استحياء للكليات الأخرى، ما يشير إلى شيئين أولهما كسر قاعدة “أنهم ناس معقدة”، كما يشاع عنهم، والثانية أن هنالك صلة قوية بين تلك الأغنية وتفريغ “الكبت”، الذي يشعر به أولئك الطلاب من ضغط الدراسة، خلال سنوات الجامعة، حتى أنها وصلت إلى إطلاق دفعة 2016 صيدلة عين شمس، أغنيتهم على شكل مهرجان “مفيش صاحب”، واستبداله بـ”مفيش طالب”.

https://youtu.be/IstyyfLesjg