طارق الشناوي يكتب: فى «كان 70»: سياسة مهرجان أم مهرجان سياسى..هناك فرق!

نقلًا عن “المصري اليوم”

 

يخطئ بعض من الزملاء حتى المخضرمين منهم فى رصد عدد دورات مهرجان ((كان))،عندما يشيرون إلى عام انطلاق الدورة الأولى فهم يخصمون 70 عاما فتصبح نقطة البدء 1947، وهم بتلك الحسبة يسقطون عاما من عمر المهرجان، لأنه بدأ فعالياته رسميا 1946، بل إنه كان مقدرا له أن يبدأ فى منتصف الثلاثينيات، ردا على مهرجان ((فينسيا)) فى إيطاليا، الذى انطلق 1932، وذلك كنوع من الرد الثقافى على الصراع السياسى والعسكرى، بين ((الحلفاء)) الذى تمثله فرنسا و((المحور)) الذى تمثله إيطاليا، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون تحقيق ذلك.

ستكتشف أن السياسة كثيرا ما تلعب دورا فى كل المهرجانات، لأن المهرجان غاب فى عام 1968 كنوع من المؤازرة لثورة الطلبة التى انطلقت من فرنسا واجتاحت العالم، فطالب مثقفوها بإيقاف تلك الدورة، وهكذا سقط هذا العام فأدى إلى خطأ شائع فى الحساب، قاد ثورة المثقفين الفيلسوف جان بول سارتر وعندما اعتقلوه احتج شارل ديجول، الزعيم التاريخى لفرنسا، وقال لهم ((فرنسا لا يمكن أن تعتقل فولتير)).

 

فرنسا تميزت عن كل أوروبا بتأثير مثقفيها فى توجيه دفة القرار السياسى، ولكن لم يعد الأمر كذلك فى الألفية الثالثة، هل تتدخل السياسة أم الاقتصاد والبيزنس إن شئت استخدام التعبير الدارج بكل ظلاله فى توجيه المهرجان؟.

 

لا يمكن أن ننظر للأمر بعيدا عن المصلحة، ولا تنسى دائما تلك المقولة ((المصالح تتصالح)) التى لها تنويعاتها فى العالم كله، الحديث لا يتوقف فى الصحافة عن تعديل لائحة مهرجان ((كان)) فى العام القادم حتى يضع شرطا أنه لن يقبل عرض الأفلام رسميا إلا التى يُصبح مسموحا لها بالعرض الجماهيرى فى الصالات التجارية بفرنسا، وذلك استجابة لنقابة أو رابطة أصحاب دور العرض، لم يشر المهرجان إلى أن هناك مصلحة ما أو دعما ماديا يتلقاه من الرابطة، ولهذا يُنصت إلى رأيها، المفروض أن المهرجان نظريا لا يعنيه غضب أو رضا رابطة دور العرض إلا أن الأمور لا تسير ابدا على هذا النحو المثالى.

 

لو تأملنا مثلا مهرجان القاهرة وسألنا عن التوجه السياسى، سنكتشف أن السياسة تقف فى مقدمة القرارات، حتى فى المهرجانات غير التابعة مباشرة للدولة فإن الدولة حاضرة وبقوة.

 

الحفاوة بسينما بلد أو تجاهلها تماما يجب أن تخضع لتوجه الدولة الرسمى، فلا يمكن مثلا فى ظل توتر العلاقة مع تركيا أن تقام لها تظاهرة خاصة فى المهرجان، رغم أن المسلسل التركى الذى حاول أصحاب القنوات الفضائية قبل بضع سنوات حصاره كنوع من تأكيد رفضهم للتوجه التركى فى زمن ((أردوغان)) إلا أن المقاطعة سقطت لأن الناس لها مزاجها فى استقبال الأعمال الفنية ولا يضعون أبدا الموقف السياسى كطرف مؤثر، ولكن فى مهرجان السينما ولأن القاعدة التى يتوجه إليها المهرجان محدودة نسبيا، فمن الممكن فعلا تطبيق مثل هذه القرارات الفوقية. أتذكر فى 2014 وهو العام الذى تولى فيه قيادة المهرجان الناقد الكبير الراحل سمير فريد فاز الفيلم الإيرانى ((ملبورن)) بجائزة الهرم الذهبى لأفضل فيلم، وأقيم الحفل تحت سفح الهرم وبرغم برودة الجو ومشكلات أجهزة الصوت إلا أن د. جابر عصفور وزير الثقافة وقتها صعد على خشبة المسرح وألقى خُطبة عصماء وكأنه يبرئ ساحته أمام القيادة السياسية من جراء منح الفيلم تلك الجائزة.

 

هناك دائما من يسعى لفرض موقفه السياسى، أكثر من مرة شاهدت غضبا واحتجاجا من اليمين الفرنسى فى ((كان)) بسبب عرض أفلام مثلا ((خارجون عن القانون)) 2010 الذى تعرض للمذبحة الفرنسية 1945 وهو تاريخ موثق وملطخ بالدماء ارتكبته فرنسا فى حق نضال الشعب الجزائرى، لا تريد فرنسا أن تتذكر المذبحة، ولكن المخرج الجزائرى والمولود فى فرنسا رشيد بوشارب حرص على أن ينقله للعالم وتم عرضه فى المسابقة الرسمية. السياسة تلعب دورا فى الاختيارات ولا شك. وهكذا وعلى سبيل المثال، لأن فرنسا كانت من مؤيدى وداعمى الربيع العربى 2011 فلقد تم التواصل مع المخرج يسرى نصرالله قبل المهرجان فقط بنحو شهرين لتقديم فيلم فجاءت الفكرة ((18 يوم)) الذى أخرجه عشرة مخرجين كل منهم قدم فيلما روائيا قصيرا، بينهم شريف عرفة ومروان حامد وكاملة أبوذكرى ومحمد على وشريف البندارى وبالطبع يسرى نصرالله وغيرهم، الغريب فى الأمر أن لا أحد من المشاركين فى هذا الفيلم تحمس لعرضه تجاريا فى مصر وعلى مدى 6 سنوات وأظن أنها ليست صدفة.

 

مشاركة يسرى نصرالله فى المسابقة الرسمية بفيلمه ((بعد الموقعة)) عام 2012 أراها تدخلا فى إطار المواءمة السياسية فلم يكن هذا الفيلم الذى تناول ما عرف إعلاميا بموقعة ((الجمل)) هو الأفضل. وتبقى العديد من الاعتبارات التى تدخل فى إطار الاختيار مثل نصيب مشاركة المرأة كمخرجة فى فعاليات المهرجان، أكثر من مرة تشكو المرأة من تجاهلها وتهدد العديد من المنظمات النسائية بالمقاطعة مثلما تكرر أيضا عند الحديث عن ترشيحات مسابقة الأوسكار قبل الأخير، وكأن المرأة تبحث عن ((كوتة)) رغم أن الإبداع ليس بحاجة إلى استخدام هذا السلاح والدليل أن الفيلم المجرى ((على الروح والجسد)) الحاصل هذا العام على جائزة ((الدب الذهبى)) فى برلين للمخرجة اديكو انيادى، هذه المرة فى ((كان)) المرأة لها 11 مشاركة رسمية فى التظاهرات الثلاثة الأهم المسابقة وخارج التسابق و((نظرة ما))، فى كل مهرجانات الدُنيا دائما تجد أن الاختيار فنى بالدرجة الأولى، ولكن من الممكن أن تشوبه أشياء أخرى، من المهم ألا تطغى مساحة الأشياء الأخرى!!.