فيديو: مهمة سرية في إدلب تجيب عن "هل للقاعدة إمارة في سوريا؟"

رباب طلعت

في شمال القطر السوري، على البوابة الشمالية لسوريا، التي تطل منها على تركيا وأوروبا، تقع محافظة إدلب، الأسيرة في يد هيئة تحرير الشام، أو كما عرفت سابقًا جبهة تحرير النصرة، وأحرار الشام، وغيرهم من الجماعات الجهادية، المسيطرة عليها، التي اخترقها 3 من موفدي قناة “الآن”، طيلة 3 أشهر، في مهمة تبدو شبه مستحيلة للصحفيين، بسبب تهديدات الخطف أو القتل أو كلاهما، الأمر الذي طال نشطاء المعارضة أيضًا، ليخرجوا بتقريرٍ وثائقيِ يبحث عن إجابة لسؤال يشغل ذهن الكثيرين “ماذا يجري في إدلب”، وآخر كشفه التقرير “هل أسست القاعدة إمارة لها هناك؟”

بداية موفقة للفيديو الوثائقي، بسؤالين يثيرا فضول المشاهد وهما “ماذا يجري في إدلب”، و”هل أسست القاعدة إمارة لها هناك؟”، فمن لا يهتم بالشأن السوري، من المحتمل أن تكون القاعدة من قائمة اهتماماته فبالطبع سيكمل ليعرف ما علاقتها بما يحدث في المدن السورية، والنزاع القائم فيها.


إدلب التي تبعد عن الحدود اللبنانية بما يقارب 4 ساعات ونصف، دخلها 3 موفدين من قناة “الآن” بكاميرا “موبايل”، صغيرة، إلا أنها كانت أقوى من الأقمار الصناعية، في رصد الحقيقة، التي بحثوا عنها وسط مخاطر التهديد بالخطف أو القتل أو كلاهما، والعبور عبر نقاط تفتيش بلغ عددها 38 نقطة تابعة لكل من جبهة النصرة، وحلفائها وأحرار الشام، وأيضًا الجيش السوري الحر المعارض، ليلتقطوا عددًا من الصور الخاصة نهارًا، لتلك النقاط، وجهادي تنظيم القاعدة الصينيين، وآخرين من آسيا الوسطى المنتشرين في المحافظة، وأخرى لمعارك مجموعة من الأوزبيك، المقاتلين مع جبهة النصرة، والتي طرحها الفيديو، بشكل توثيقي محترف.

لم يغفل صناع الفيديو عن إضافة تعليقًا صوتيًا، يتميز بلغة عربية سليمة، ووضوح في النطق، لشرح محتويات الفيديو، والنقاط التي يدور حولها، بالإضافة إلى موجزٍ قصيرٍ في بدايته، عما يستعرضه، والإشادة التي يستحقها الموفدين الثلاثة، مبينًا الصعاب التي واجهوها للتأكيد على أن ذلك العمل لم يكن سهلًا أبدًا، لذا إن وُجِدَ نقصًا، أو ظهرت الصور بغير كفاءتها المطلوبة، فهو ليس تقصيرًا إنما هي آثار المعركة، وهو ما فعلته أيضًا جنان موسى، موفدة القناة، التي كان لظهورها طابعًا خاصًا.

جنان موسى، موفدة القناة، التي ظهرت، بعد الفقرة التمهيدية للفيديو، برداء أسود، وخلفية سوداء، تناسق لونهما، حتى جعلها كأنها جزءًا منه، في إشارة ذهنية تصل لعين المشاهد بأنها إحدى المكونات الأساسية للفيديو، كأنها وما تعرضه كيانًا واحدًا لا ينفصلان، حرصت على المصداقية أيضًا مع المشاهد، والتي طرحت بتفاصيل شبه دقيقة، ما واجهه الموفدين الثلاثة في إدلب، لإخراج ذلك العمل للنور، لم يكن الظهور الأول لها هو فقط المميز، فلقد كان تعقيبها بين فقرات الفيديو، وتوضيحاتها وشرحها لبعض النقاط، أشبه بالمعلق الرياضي، الذي يضفي طعمًا خاصة على المباراة.


3 أشهر على كف عفريت، قضاها الموفدين الثلاثة في إدلب، فترة كافية جعلتهم يتنقلون بين بلدات ومدن المحافظة، بعين يقظة، لم تترك تفصيلة صغيرة، برغم صعوبة التصوير، من أول الجداريات التي تحمل شعارات جبهات النصرة وغيرها من الجهات المسيطرة عليها، واللافتات، والحواجز المرورية، وبعض الوثائق الرسمية، مثل تلك التي استشهدوا بها دلالة على استخدام الجماعة لاسم جبهة النصرة، بدلًا من فتح الشام، الذي تحولوا له مؤخرًا، وكذلك لقطات خاصة من مقرهم من الخارج، والمعابر، والمدن السورية والخراب الذي حل بأغلبها في المحافظة.


اخترق الموفدون أسرار الجماعات المسيطرة على إدلب، خاصة جبهة النصرة، وعرضوا عددًا من الحقائق الخفية على من يقعون خارجها، كالمعبر الآخر غير “باب الهوى”، المنفذ الوحيد للمحافظة عن طريق تركيا، والذين صوروا العديد من الزوايا منه، كتفتيش الجيش التركي للراغبين في الدخول إلى سوريا عن طريق أحدى القرى التركية الحدودية، عن طريق بوابة في الجدار العازل بينها وبين قرية خربة الجوز السورية، والأقوى من ذلك تلك اللقطات التي ظهر فيها شباب المجاهدين في جلسة مرح، يمزحون فيها بوصف نفسهم بأنهم أناس يتغذون على الجماجم، وعملهم في نقل المساجين إلى السجون المقسمة لنوعين، سجون عادية للسجناء العاديون، بخلاف السياسيون الذين ينقلون إلى سجن “العقاب” تحت الأرض، كذلك ظهرت زوجات أولئك المجاهدين، وأطفالهم، وأيضًا تدريبات بعضهم على الجهاد، وبعض الوقفات الأسبوعية المناهضة للجهاديين في معرة النعمان، وشعارًا وحيدًا في إحدى قرى ريف جسر الشهور، بالإضافة لتصوير بعض المعسكرات، والسجون والمناطق التي لم تصور من قبل مثل منطقة الزنبقي وهي من أكثر الأماكن التركستانية سرية قرب الحدود مع تركيا، والتي يمنع تماما تصويرها أو دخولها لوجود سجن كبير فيها يعيش فيها حصرا مقاتلو الأنجور القادمون من الصين مع زوجاتهم وأطفالهم.

عرض التقرير أيضًا بعض الحقائق التي اكتشفوها خلال إقامتهم وتنقلهم في المحافظة، والتي لخصتها جنان موسى، في ثلاث نقاط، بعد العرض التفصيلي لها في الفيديو وهي كما ذكرتها: (أن وجود التركستان أكثر بكثير مما كان متوقع برقم يتراوح بين 10 آلاف و20 ألف مجاهدًا، كذلك أنه بالرغم من وجود بعض الفصائل المعتدلة في إدلب إلا أنه ليس لديها حواجز تفتيش ولا يسيطيرون إلا على مقارهم، بالإضافة إلى أن إدلب تؤكد اختطاف الثورة السورية من قبل فصائل متطرفة، ففي صفوفها الكثير من المقاتلين الأجانب)، مع بعض التفاصيل التي تناولها الفيديو في أن التنسيق جيد جدًا بين فصائل جبهة النصرة، وأحرار الشام، وتعامل الأولى بالاسم القديم لها “جبهة النصرة”، بالرغم من تغييره في الفترة الماضية إلى “هيئة تحرير الشام”، حتى في تعاملاتها الرسمية والمكتوبة، وطرح تقسيمات للمدن السورية حسب الأكثر دمارًا، والأفضل حالًا من غيرها، والتأكيد على أنهم جميعًا في حالة مزرية.


لمس التقرير بعض الجوانب الإنسانية التي لم تخفَ على صناعه، كتلك الاختراقات التي ارتكبتها جبهة النصرة، ضد المسيحيين، منها الاستيلاء على مبانيهم أو ترقيمها باعتبارهم أعدائهم، خاصة بعد ترك الأهالي لتلك المنازل والفرار من المحافظة حفاظًا على أرواحهم، أو عرض محاصيلهم الزراعية في مزادٍ علني، لمن يدفع لهم عائدًا أكبر، وتحطيم داعش لتمثال السيدة مريم العذراء الذي كان يتوسط قرية القنية، إلى عام 2013، والذي حل محله اليوم علم جبهة النصرة الأسود، بالإضافة إلى التدمير الذي لحق ببلدة جسر الشغور التي سويت بالأرض، ووصفها التقرير بأنها أشبه بأرض الأشباح، والتي سيطرت عليها الفصائل الإسلامية منذ عام 2015، وتخضع لسيطرة عسكرية تابعة لحزب لتركستان الإسلامي، الذين أكثرهم جهاديين صينيين ومقاتلين آخرين من وسط آسيا تابعين لجبهة النصرة، بالإضافة للفقر الذي أصاب سكان المدن الأفضل حالًا في المحافظة، حيث لا يتعدى دخلهم الشهري 30دولارًا في أحسن العائلات، وتلك هي القرى القريبة من تركيا، والتي مازالت محلاتها التجارية تعمل، إلا أن أهلها منتظرين تغيير حالهم والنيل منهم في أية لحظة.

طرح التقرير أيضًا عدد من الشواهد التي تثبت تأثير جبهة النصرة ليس فقط سياسيًا وعسكريًا، بجانب تأثيرها على نقاط التفتيش، إنما اجتماعيًا وفكريًا، بأنصارها مثلًا سموا مسجدًا باسم “عيسى عليه السلام”، في إحدى القرى التي تركها مسيحيوها خوفًا من التنكيل بهم، ولم يبقَ فيها إلا كبار السن، والذين استهدفوهم بالجامع لدعوتهم للإسلام، وأيضًا فتح مركز تحفيظ القرآن الكريم باسم السيدة العذراء، كذلك انتشار الجداريات، التي كان منها عددًا يعد دستورًا للحدود التي يجب إتباعها كعبارات “الأركيلة حرام”، و”التبرج لا يجوز” وغيرها، كذلك اللافتات الدعائية عن حجاب المرأة المسلمة، بعرض لا يتجاوز الـ13دولارًا.

استعانت جنان أيضًا ببعض الخرائط خلال شرحها لتوضيح قوى الفصائل، وتأثيرها على مراكز التفتيش، بالإضافة إلى أنها لفتت إلى أن المصادر سافروا عبر 3 طرق مختلفة: الطريق الأول يبدأ بمعبر باب الهوى على الحدود التركية، ينتهي وصولا بمدينة جسر الشغور، والثاني من باب الهوى وصولًا إلى خان شخيون، والثالث من معرة النعمان وحتى جسر الشهور، موضحة حجم هيمنة كل فصيل على الطرق الثلاث، مشيرة إلى أن من أصل 38 حاجز كان هناك 21 لجيش النصرة و6 لحلفائهم من التركستان وجيش الفتح، و10 لأحرار الشام، وواحدًا فقط للجيش الحر.


لم يكتفِ التقرير بتصوير الموفدين الثلاث بل لجئوا لشهود من داخل إدلب، منهم سجناء سابقين والذين ذكرتهم جنان في طرحها، وأفادت أنهم كشفوا عن أنواع التعذيب في السجون، كاشفة عن عدد من الأسماء المسئولة عن أحد السجون، منهم أبو يوسف حلفايا أمير جبهة النصرة في حماة، ومدير السجن أبو خديجة، والمشرف العام على السجن أبو إسلام متابعة من مكتب المتابعة الخاص بالنصرة، والذي يقدم تقارير مباشرة لقائد جبهة فتح الشام أبو محمد الجولاني، أيضًا كشف شهود آخرون عن اسم القائد الأبرز للتركستان والذي يدعى إبراهيم منصور، وهو يسافر من سوريا وإليها، ورآه الشهود في محافظة إدلب.


وللإجابة على سؤال علاقة “القاعدة” وتكوينها لإمارة في إدلب، كان هناك عدد من الشواهد، حيث كشف مقاتلون سورين تدربوا في معسكرات التركستان في جسر الشغور أنهم بايعوا زعيم حركة طالبان الأفغانية، المعروفة بتنظيم القاعدة، مثلًا، بالإضافة لوجود العديد من الجداريات التي حملت اسم أيمن الظواهري، وبعض شعارات القاعدة.


ولمزيد من المصداقية التي تحلى بها صناع الوثائقي، وبعد خروج المصادر الثلاث من إدلب عن طريق مهربين في تركيا عبر حاجز تابع للتركستان ثم مكتب تابع للنصرة قرب خربة الجوز للحصول على إذن للخروج، ودفع كل منهم ما يعادل 15 دولارًا، كضريبة للمهاجرين تفرض على كل من يريد أن يهاجر كما أخبرهم المسئول عن المكتب، كان لهم عودة أخرى بعد الإعلام عن تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام في فبراير الماضي، لرصد التغيرات، على أرض الواقع، وكان لهم بعض الملاحظات، التي تثير سؤال هل للقاعدة إمارة في سوريا، فمثلًا معظم نقاط التفتيش أصبحت مجهولة الهوية فلا يستطيع أحد التمييز ما إذا كانت تبع النصرة أم أحرار الشام، وكذلك تم إخلاء عدد منها تماما، كما أن بعض المباني أخليت أيضًا بسبب خوفهم من الاستهداف العسكري لها، وأزيلت شعارات القاعدة من على جدران إدلب، وخاصة أقوال الظواهري تم الطلاء عليها مع العلم أن أقواله ظلت موجودة، ما جعل جنان موسى خلال التقرير تشير إلى أن جبهة النصرة على ما يبدو أنها تريد إخفاء صلتها بالقاعدة، من الملاحظات أيضًا أن لافتات دعاية الجبهة استبدلت بملصقات ملونة، بنفس المضمون لجعل رسالتهم أكثر جاذبية للسكان المحليين.