1- من 3 دقايق لـ 3 ساعات
قال صديقى ” بهاء سلطان جاى عندنا النهاردة فى الجامعة ” فلم أتردد في الذهاب معه لجامعته الخاصة على طريق المريوطية. كنا في إحدى سنوات بداية الألفية، وبهاء سلطان في بداية نجوميته، وأغنياته تتردد في كل مكان، فقد وُلد نجمًا منذ اللحظة الأولى. ذهبنا في الموعد المحدد، تأخر بهاء سلطان كثيرًا، أكثر من 3 ساعات ونحن ننتظر من كان آخر ألبوماته يحمل اسم ” 3 دقايق “. أصابنا الملل، وقررنا الرحيل، في هذه اللحظة حضر بهاء سلطان، ولكننا لم نتراجع، فقد كان لدينا شغف آخر بمشاهدة فيلم ” أيام السادات ” والذى كان سيُعرض للمرة الأولى على شاشة التلفزيون المصرى – الله يرحمه ويحسن إليه – بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر. كنا نريد حضور الحفل ثم العودة لمشاهدة الفيلم بالمنزل. لم نكن على استعداد للتضحية بمشاهدة الفيلم، والذى لو لم يكن يُعرض في هذا اليوم، ما كنا لننصرف ونترك بهاء سلطان رغم تأخره. والذى انتظرناه لأكثر من 3 ساعات وفى النهاية عندما حضر سلمنا عليه ومشينا ! ولكنى لم أمشِ حزينًا أو غاضبًا، ولم أشعر للحظة بأن كل هذا الوقت قد ضاع ” على الفاضى ” بل كنت سعيدًا برؤية بهاء سلطان ومصافحته، فقبل هذا اليوم بسنوات قليلة كان شغفى الأكبر أن أعرف ملامح هذا المطرب الذى أحببت أغنياته وظللت أستمع إليها، من غير ما ابقى عارف ” شكله ” في تجربة لم تتكرر مع أى مطرب آخر.
2- احلف
كان نجاحه مدويًا، رغم أن هذا النجاح لم يكن ناتجًا عن معاناة، أو مثابرة، أو جاء تتويجًا لمشوار طويل في عالم الغناء. بل حدث ببساطة غريبة وكأنه أمر حتمى، وقدر لا يحتاج إلى أى مسببات كى يحدث. فأثناء عمله في ” كورال ” فرقة حسام حسنى، قابله الفنان مصطفى كامل الذى أُعجب بصوته، فعرِّفه على نصر محروس، فأنتج له الأخير أغنية ” احلف ” ضمن البوم ” فرى ميكس 1 ” عام 1998 لتنجح الأغنية بشكل مذهل، بعدها بعام يصدر ألبومه الأول ” ياللى ماشى ” والذى وضع ضمن أغنياته أغنية ” احلف ” ربما كنوع من التفاؤل واستبشارًا بنجاحها الكبير، وهى أغنية جميلة تستحق أن نتوقف أمامها قليلًا، فما زلت أذكر ما حكاه لى صديق مقرب عن جده الذى كان يحب هذه الأغنية لدرجة أنه كان يبكى أثناء استماعه إليها في مرضه الأخير. وهو أمر له أكثر من دلالة ويوضح أن بهاء سلطان لم يكن مطربًا شبابيًا بلغة عصره، بل نجح ومنذ أغنيته الأولى في الوصول لفئة عمرية تنفر من أبناء جيله وتنظر لإنتاجهم الغنائى نظرةً استعلائية. فما الذى يملكه هذا المطرب الجديد وقتها جعله ينجح دون سواه في الوصول لقلوب بعض ” سميعة ” ما أُطلق عليه زمن الفن الجميل ؟ ربما قوة صوته وحلاوته، وقدرته على الأداء ” التطريبى “. ربما ذكرهم بشىء من ريحة عبد المطلب، وربما الصدق. فما يملكه بهاء سلطان من صدق وبساطة يجعله صوتًا عابرًا للأزمان، ينتمى للحاضر، ويذَكر بالماضى، ويعيش للمستقبل.
3- قريب ولا بعيد
اشتريت ألبومه الأول ” ياللى ماشى ” وظللت لفترة طويلة أعيش في عالمه ولا أستمع إلا إليه، رغم أنها كانت نسخة ” تقليد التقليد ” غير أصلية وبدون ” cover ” وهو ما جعلنى لأول مرة في حياتى، أحب مطرب وأستمع إلى أغنياته، وأنا لا أعرف شكله. كان للخيال دوره، وحاولت من خلال صوته أن أرسم له صورة في خيالى. كانت هذه الصورة تتغير كل يوم، فمرة أتخيله رجل كبير أصلع و ” بكرش ” ومرة شابًا نحيفًا حاد الملامح. تخيلته في ألف صورة إلا صورة شكله الحقيقى الذى ظهر به في كليبه الأول ” يا ترى ” بشعره الناعم وشنبه الغريب وبدلته الصفراء ” المكرمشة ” وهو يرقص وسط الفتيات تحت سفح الأهرامات ويغنى ” قريب ولا بعيد ولا حزين ولا سعيد ولا ” وفي الحقيقة كنت شخصيًا سعيدًا جدًا لأنى أخيرًا عرفت شكله، وكنت أيضا قريبًا لأنى أسكن وأعيش في منطقة الهرم على بعد خطوات من مكان تصوير الكليب. هى مجرد مصادفة ولكنى شعرت وكأنه جاء خصيصًا للإجابة عن سؤالى. وربما لهذا السبب أشعر أن بهاء سلطان ليس مجرد مطربًا أحبه، بل هو شخص قريب منى بشكل أو بآخر.
4- بهاء سلطان جاسوس
قبل صدور ألبومه الثانى ” 3 دقايق ” بأيام قليلة جدًا، فؤجئت بأخى يخبرنى ” بهاء سلطان طلع جاسوس لإسرائيل ” كانت مصر كلها تتحدث عن هذا الموضوع، وأى مكان تذهب إليه ستجد من يخبرك به. حتى صدر الألبوم واكتشفنا جميعا أنها كانت مجرد ” شائعة ” أطلقها نصر محروس كنوع من الدعاية المجانيه لمطربه قبل ألبومه الجديد. شائعة خرجت من مكتبه في مصر الجديدة، ووصلت حتى منزلنا بالهرم، ولفت مصر كلها في غضون ساعات قليلة ” قبل عصر مواقع التواصل “. وبعيدًا عن ذكاء نصر محروس الذى نجح في وضع اسم بهاء سلطان تحت دائرة الضوء، وجعله يتردد في كل مكان، بما يضمن له نجاحًا ساحقًا للألبوم المنتظر، واكتساب شريحة جديدة وكبيرة من جمهور سيكون عنده بالتأكيد رغبة وفضول كبير في الاستماع لألبوم هذا المطرب الجاسوس ! بعيدًا عن كل هذا فالسؤال المهم ما الذى جعل الناس تصدق هذه الشائعة لدرجة انتشارها بينهم في خلال هذا الوقت القصير ؟ أعتقد أن السبب يعود لبهاء سلطان نفسه. فهو ظهر فجأة وكأنه جاء من العدم، نجح وحقق نجومية كبيرة في زمن قياسى، شكله غريب وغير مألوف ” مطرب بشنب ” تشعر أنه مريب بدرجة ما، لا يظهر في الإعلام كثيرًا ولا يتكلم ” غامض وصامت كدة ” هذه التركيبة جعلت الناس مُهيئة تمامًا ولديها استعداد مسبق لتصديق أى شائعة تُطلق عليه. وما زال بهاء سلطان ليومنا هذا يتمتع بنفس الغموض، ولو قرر نصر محروس تكرار نفس اللعبة قبل ألبومه القادم، وأطلق شائعة أن بهاء سلطان عميل للمخابرات القطرية لربما وجدت نفس الرواج بين الناس .
5- الأغنية الإفِّيه
لا تتوقف غرابة بهاء سلطان عند حد معين، فحتى أغنياته بها نفس هذه اللمسة الغريبة، رغم كونها أغانى تقليدية نادرًا ما تتطرق لأى موضوع بعيد عن الحب والفراق. غريبة في أنك ستجد صعوبة في وضع صاحبها تحت أى تصنيف. فمن الصعب أن تصنفه كمطرب شعبى فكليباته وموسيقاه لا تخلو من روح شبابية، ولكنه بالتأكيد ليس مطربًا شبابيًا بلغة السوق، لا من حيث الشكل ولا المضمون، أى أنه لا يلعب في منطقة عمرو دياب أو تامر حسنى، ولا حتى شعبيًا خالصًا مثل حكيم. هو تقريبًا مزج بين الاتنين في لون متفرد، يغرد بمفرده تمامًا في منطقته الخاصة التى اخترعها نصر محروس، لون اعتمد في ازدهاره على الأغنية ” الإفيه ” وهذا النوع من الأغنيات كان موجودًا قبل بهاء سلطان وما زال، ولكنه برع فيه أكثر من غيره، وبنى معظم نجاحه وجماهيريته على تلك الأغنية التى يحمل اسمها ” إفيها ” وكلمة أو جملة غريبة ومختلفة. بدأها بـ ” 3 دقايق ” في ألبومه الثانى، ثم ” قوم اقف وانت بتكلمنى ” بعدها ” الواد قلبه بيوجعه ” وفي ألبومه الأخير ” ومالنا ” كان النجاح ساحق لأغنية ” أنا مصمم ” ورغم ذلك لم يخلُ الألبوم من هذه النوعية بأغنيات مثل ” بوسة ” و ” مية مية ” وما زال بهاء سلطان وفيًا للونه المفضل
ويُقال أن ألبومه القادم سيحمل اسم ” سيجارة ” !
6- لعنة نصر محروس
بالتأكيد نصر محروس واحد من أشطر المنتجين في مصر. نستطيع أن نقول أنه أفضل منتج غنائى في مصر يجيد صناعة النجم. فعلها مع تامر حسنى وشيرين وبهاء سلطان، ونجوم آخرين تفاوت نجاحهم. كل ده جميل جدًا لكن المشكلة تبدأ عندما يكبر هذا النجم، ويصبح طموحه أكبر من نصر محروس وشركته ” فرى ميوزيك ” فعند مرحلة معينة يجب التخلص من نصر محروس حتى يستطيع هذا النجم أن يحلق في أفق أرحب، ويطور من نفسه وموهبته، ويضاعف من نجاحه وشعبيته. هذا ما فهمه تامر، وفهمته شيرين، ونجحوا في الخروج من عباءة نصر محروس فى الوقت المناسب، رغم أن الأخير لم يفهم، أو يستوعب هذه الحقيقة المزعجة بالنسبة له، واعتبره نوع من التمرد، وإنكار الجميل من هؤلاء الذين أتوا إليه مغمورين، فصنع هو نجاحهم، وخلق منهم نجومًا يُشار إليهم بالبنان. هكذا فكر نصر محروس، فلم يكن هناك مفر من الصدام، والذى وصل لساحات المحاكم. حاول بهاء سلطان أن يفعل مثلهم، ودخل في خلافات طويلة مع نصر محروس، ولكنه لم ينتصر في هذه المعركة، ربما بسبب هدوئه وشخصيته الغير صدامية، أو لأسباب أخرى لا نعلمها. ولكن تبقى الحقيقة المؤكَدة، أن بهاء سلطان خسر كثيرًا بسبب بقائه حتى هذه اللحظة رهينًا في سجن نصر محروس، والدليل على ذلك أنه لم يصدر سوى 6 ألبومات فقط في 18 عامًا.
7- موهبة ولا شىء سواها
تقول القاعدة المتعارف عليها أن الموهبة وحدها لا تكفى للنجاح، فهناك أشياء أخرى كثيرة ربما تكون أهم منها، مثل الذكاء والكاريزما والحضور والعلاقات والظهور الإعلامى وطريقة الدعاية، بهاء سلطان ضرب بهذه القاعدة عرض الحائط فهو لا يمتلك أى شىء سوى موهبته و ” دماغ ” نصر محروس، الذى وضحنا في النقطة السابقة أنه بمثابة كنز في بدايات الطريق، ويتحول إلى لعنةُ في مرحلة النجومية. أسماء عديدة كانت موهبتها فوق الوصف، ولكنها تعثرت، وانطفئت، واختفت قبل أن تبدأ، لأنها لم تملك شيئًا سوى موهبتها. بهاء سلطان المنطوى الخجول، والمرتبك تمامًا كما رأيناه مع إسعاد يونس في برنامج ” صاحبة السعادة ” كان مرشحًا بامتياز للسير في نفس الطريق، ولكنه نجا ونجح، واستمر بموهبته فقط، ليواصل تفرده كاستثناء يؤكد قاعدة النجاح ولا ينفيها.