قال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته بالقمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض، اليوم الأحد، إن هذا الاجتماع يحمل “قيمة رمزية” ويعكس عزم الدول المجتمعة على الشراكة بين الدول العربية والإسلامية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
أشار إلى أن هذا الاتفاق يقطع الطريق على ما أسماها “أوهام دعاة صراع الحضارات”، الذين لا يتصورون العلاقة بين الشعوب إلا كصراع يقضى فيه طرفٌ على الآخر، ويعجزون عن إدراك المغزى الحقيقي لتنوع الحضارات والثقافات، وما يتيحه ذلك من إثراءٍ للحياة وللتجربة الإنسانية، من خلال إعلاء قيم التعاون، والتسامح، وقبول الآخر واحترام حقه في الاختلاف، على حد قوله.
وحول ملف مواجهة الإرهاب، قال السيسي: “إن مواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره تتطلب إلى جانب الإجراءات الأمنية والعسكرية.. مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية.. وهنا يكون السؤال الحقيقي الذي يحتاج لمعالجة جادة وصريحة هو: كيف يمكن تفعيل هذه المقاربة الشاملة على أرض الواقع ووفق أي أساس؟”.
وفي ذات السياق طرح السيسي أربعة عناصر لتحقيق ذلك، وهم “أولاً أن يكون الحديث عن التصدي للإرهاب على نحو شامل ومواجهة جميع التنظيمات الإرهابية من دون تمييز، عدم اختزال المواجهة في تنظيم أو اثنين”.
أضاف في هذا السياق: “تعلمون جميعا أن مصر تخوض يومياً حرباً ضروساً ضد التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء.. نحقق فيها انتصارات مستمرة وتقدماً مطرداً.. نحرص على ضبط وتيرته ونطاقه بحيث يتم استئصال الإرهاب بأقل خسائر ممكنة.. مع الحفاظ على أرواح المدنيين من أبناء شعبنا العظيم”.
العنصر الثاني الذي تحدث عنه السيسي هو أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعني بالضرورة مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل، والتسليح، والدعم السياسي والأيديولوجي، وتابع: “فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح.. وإنما أيضا من يدربه.. ويموله.. ويسلحه.. ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي”.
وأضاف: “دعوني أتحدث بصراحة وأسأل: أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين.. ومعالجة المصابين منهم.. وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ مَن الذي يشتري منهم الموارد الطبيعية التي يسيطرون عليها.. كالبترول مثلاً؟ مَن الذي يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟ ومِن أين يحصلون على التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامي عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟”.
استكمل قائلا: “إن كل مَن يقوم بذلك هو شريكٌ أصيلٌ في الإرهاب.. فهناك.. بكل أسف.. دولاً تورطت في دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لهم… كما أن هناك دولاً تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب.. حتى مع الإنتربول”.
أما لعنصر الثالث، فقال إنه يتعلق بالقضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد.. من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجي والفكري، مضيفا: “فالمعركة ضد الإرهاب هي معركة فكرية بامتياز.. والمواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيراتٍ مشوهة لتعاليم الأديان.. تُخرجُها عن مقاصدها السمحة.. وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية”.
وعن تجديد الخطاب الديني قال: “ولعلكم جميعا تذكرون.. أنني طرحت منذ عامين.. مبادرة لتصويب الخطاب الديني.. بحيث يُفضي ذلك لثورة فكرية شاملة.. تُظهر الجوهر الأصيل للدين الإسلامي السمح.. وتواجه محاولات اختطاف الدين ومصادرته لصالح تفسيراتٍ خاطئة.. وذرائع لتبرير جرائم لا مكان لها في عقيدتنا وتعاليم ديننا.”.
أضاف: “إنني أتابع تنفيذ هذه المبادرة.. مع المؤسسات الدينية العريقة في مصر وعلى رأسها الأزهر الشريف.. بما يمثله من مرجعية للإسلام الوسطى المعتدل.. وبالتعاون مع قادة الفكر والرأي في العالمين العربي والإسلامي.. واثقاً أن هذا الجانب لا يقل أهمية عن المواجهات الميدانية لاستئصال التنظيمات الإرهابية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو”.
أكد في النهاية إلا أنه لا مفر من الاعتراف بأن الشرط الضروري الذي يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية.. هو تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية في منطقتنا العربية.
تابع السيسي: “وليس بخافٍ عليكم.. أننا واجهنا في الأعوام الأخيرة محاولات ممنهجة.. وممولة تمويلاً واسعاً.. لتفكيك مؤسسات دولنا.. وإغراق المنطقة في فراغٍ مدمر.. وفر البيئة المثالية لظهور التنظيمات الإرهابية واستنزاف شعوبنا في صراعات طائفية وعرقية”.
وأعرب عن تقديره لرؤية ترامب” الثاقبة” في مواجهة التحديات الإرهابية، مضيفا:”ولا يخالجني أدنى شك في أن الولايات المتحدة قادرة على المساهمة في إحداث النقلة النوعية المطلوبة دولياً.. فيما يتصل بتنفيذ الاستراتيجية الشاملة التي تناولتُ عناصرها اليوم.. بحيث يتم صياغة خطة عمل واضحة بإطار زمني محدد.. تجتث الإرهاب من جذوره.. تمويلاً وتسليحاً.. وتحرم شبكاته من ملاذاتها الآمنة.. بما في ذلك من خلال التصدي الفعال للتيارات التي تحاول أن تختبئ وتسوق نفسها ككيانات سياسية.. وما هي إلا الحاضنة الطبيعية للإرهابيين وللتغلغل في المجتمعات.. ليتسنى لها استغلال الفرصة المواتية للانقضاض على الإرادة الشعبية وممارسة سياساتها الإقصائية المتطرفة”.