عزت الشامي يكتب: القنوات الفضائية تغادر عالم الفضاء

نقلا عن مجلة ستالايت

– فى العالم الجديد سنستغنى عن الأطباق وأجهزة الاستقبال وندخل فى عالم الإنترنت..

– سيزداد الإنسان عزلة ويصبح لكل واحد عالمه الخاص

رمضان 2017 هل هو بداية لثورة التكنولوجيا الجديدة فى عالم البث الفضائى .. مازال الجيل القديم متمسكا بالوسائل القديمة الجديدة عليه ، فهذا الجيل الذى ارتبط بالتليفزيون البدائى وقنواته المحدودة، دخلت عليه وسيلة جديدة هى الطبق الفضائى، وأجهزة الاستقبال، ومن خلال الطبق وجهاز الاستقبال وجد نفسه أمام كم هائل من القنوات الفضائية يحتار بينها، يشاهدها فى كل وقت وعلى مدار الساعة.

هذا الجيل الذى كان مرتبطا بساعات محددة من إرسال القنوات الأرضية، أتيحت له فرصة لم يصدقها فى البداية ، وهى أن يشاهد التليفزيون ليلا ونهارًا، وخرج من إطار القناة أو القناتين إلى إطار أكثر رحابة ، قنوات متعددة ، بل وخرج من إطار المحلية، بحيث لم يكن يرى إلا قنوات بلده إلى إطار الإقليمية والعالمية، المصرى يشاهد الآن القنوات السعودية والسورية والكويتية والإماراتية، والسعودى يفعل الشىء نفسه والسورى كذلك، وهكذا دخل المشاهد عالما جديدا غير محدود، متناميا بشكل لم يدركه فى بداية الأمر. وتخطى الأمر الإقليمية إلى العالمية وأصبح المشاهد يمكنه مشاهدة كل قنوات العالم وهو فى بيته.

مصدر النمو هو التقدم المذهل فى عالم الفضاء وعالم الإنترنت.

والعالم الأخير هو السر القادم، السر الذى سيحطم كل القيود والحدود، ويدخلك فى عالم أكثر دهشة وأكثر متعة وأخطر تأثيرًا.

رمضان الماضى كانت آثار هذه الثورة واضحة، وبرغم أن هذا الأمر كان قد بدأ منذ سنوات، فإن انتشاره فى الأشهر الأخيرة أدخلنا إلى دهاليز هذا العالم الذى ربما يكون مليئا بالأسرار فى بداياته، ولكنه سرعان ما سيبوح بكل ما لديه فى أشهر قليلة، تمامًا كما حدث أيام ثورة الأطباق والقنوات الفضائية، عندما كان هذا الأمر فى بداياته أشبة باللوغاريتمات والعصي على الفهم ثم رويدًا رويدًا أصبح فى متناول الجميع الآن.

لم يعد المشاهد عبدًا للقناة الفضائية فى هذا العالم الجديد، هو صاحب الأمر، صاحب الفعل ورد الفعل.

اطلب تشاهد هو شعار هذه المرحلة، منذ سنوات طويلة وتحديدًا مع بداية الألفية الثالثة والعالم الغربى يستعد للثورة الجديدة عن طريق تكنولوجيا الإنترنت الحديثة، ومن خلال الفايبر جلاس، يصبح الإنترنت فائق السرعة غير محدود، ومن خلال سرعة الإنترنت هذه يصبح من السهل جدًا نقل الصورة المتحركة بشكل طبيعى دون تجميد أو توقف، وهكذا خلال السنوات القليلة الماضية اختفت تقريبا فكرة الأطباق الفضائية من واجهات البيوت الأوروبية، وأصبح النقل التليفزيونى من خلال الإنترنت فائق السرعة.

لن تضبط بعد الآن أى شاب أو طفل مزروعًا أمام شاشة التليفزيون، كل واحد فيهم أصبح أمام شاشته الفضائية، أمام تليفونه المحمول أو اللاب توب أو التابلت.

فكرة التجمع أمام شاشة واحدة ستختفى خلال أشهر قليلة، وسينعزل الإنسان أكثر وأكثر، كل فى عالمه الخاص.

وهذا ما تنبأ به واحد من عباقرة علماء الاتصالات منذ سنوات طويلة، عندما قال إن العالم جميعا سيصبح أشبه بالقرية الصغيرة كل فرد فيه يعرف ما يدور فى الجانب الآخر من العالم فى لحظة وقوع الحدث، إلا أنه ومع التطور التكنولوجى سيزداد الإنسان عزلة ويصبح لكل واحد عالمه الخاص به، المحمول والتابلت وثالثهما الإنترنت.

فى رمضان الماضى لم يعد المتابعون للمسلسلات فى حاجة إلى انتظار مواعيد العرض، والخضوع لساعات طويلة من الإعلانات، كل واحد يدرك أنه فى أى وقت يستطيع أن يعود إلى مسلسله من خلال اليوتيوب، ليشاهد حلقاته مجمعة وبدون إعلانات، وهكذا ازداد الطلب على الإنترنت بشكل مذهل، لا لشىء إلا لمتابعة حلقات المسلسلات الرمضانية.

وإذا لاحظت فإن بداية الثورة الجديدة قد بدأت بالفعل، هناك الآن قنوات على الإنترنت هذه القنوات أصبح لها برنامج واضح وساعات محددة، وأصبح لها نجوم.

قنوات الإنترنت ستتخطى عقبات كثيرة وتصبح سهلة الإطلاق، بدون التقيد بالأقمار الفضائية ودفع ملايين الدولارات من أجل تأمين حيز على هذه الأقمار من أجل إطلاق برامجها من خلاله.

بل إن حدود القنوات ستتخطى أيضا نطاق بث هذه الأقمار لتصبح متاحة ليس فى منطقة محددة فحسب، بل ستكون عابرة للقارات فى لحظات محدودة.

وقد أدركت بعض الباقات العربية خطورة الثورة الجديدة وبدأت فى بث محتواها من خلال الإنترنت, وربما تكون باقة “شاهد” من الـ”إم بى سى” هى أشهر هذه الباقات.

ومن خلال هذه الباقة تستطيع أن تطلب وتشاهد ما تريد فى أى وقت تريد بدون إزعاج وبدون ضغوط من أى نوع.

وفى غضون أشهر قليلة ستنطلق باقات جديدة من هذه النوعية، وستزداد عزلة المشاهد أكثر وأكثر، وستختفى تدريجيا لمة الأسرة أمام شاشة الفضائيات، ليصبح لكل فرد عالمه الخاص.
وفى غضون أشهر قليلة، سيفكر جيل جديد فى إطلاق قنوات على الإنترنت لأن هذه الطريقة هى الأسهل والأوفر، ويصبح أمام المشاهد اختيارات متعددة وعالم أرحب.

ولن يستطيع أحد أن يفرض قيوده بعد الآن، لأنه وبرغم صعوبة السيطرة على المحتوى الفضائى، فإنه كان يمكن السيطرة عليه أحيانا، إلا أنه مع الثورة الجديدة، تقريبا فمن المستحيل السيطرة.

سنشاهد بعد الآن أعمالا فنية خاصة بقنوات وباقات الإنترنت، وسنشاهد نجوما جددا لهذا العالم الجديد.

إنها دنيا جديدة، تستحق أن نقف أمامها ونرصد تطوراتها.