علاقة المرأة والرجل، علاقة متشعبة ومتشابكة وأحياناً شائكة، لا يستطيع الرجل أن يستغني عن المرأة، ولا تستطيع المرأة أن تستغني عن الرجل وكلاهما ضروري لبقاء الآخر.
“هذا المساء” عمل درامي جماعي، استطاع أن يناقش مشكلات عدة أساسها العلاقة بين الرجل والمرأة، لأعمار وأوساط اجتماعية مختلفة، منها العلاقة بين “نايلا وأكرم” ثنائية من الخارج نشعر أنها علاقة سوية ناجحة، رجل وامرأة متزوجان منذ فترة ليست بالقصيرة، يحبان بعضهما البعض، لديهما كل ما يحلم به أي شريكين.
مع مرور أكثر من مشهد نفاجأ أن علاقتهما غير مكتملة، توجد حالة فتور في العلاقة الخاصة بينهما، وهي لا ذنب لها، هذا الأمر قاس جداً على المرأة لأنه يشعرها بالنقصان وبعدم الرغبة فيها “مؤلم أن تشعر الزوجة أن لا رغبة فيها” لذلك طلبت منه “أجازة زوجية” حتى يتأكد كل منهما من مشاعره تجاه الآخر، أو ربما مشاعرها تتلاقي مع آخر.
ربما هذا ما يطلق عليه “الملل الزوجي” الناتج عن حالة الاعتياد الذي يتسبب في قتل الرغبة بين الزوجين، فأحياناً كلما اقتربت الأجساد حد التوحد اليومي، ظهر عدم التجاوب العاطفي، وكلما ابتعد الزوجان لفترة، زادت الرغبة وعاد الانجذاب، وربما انتهت العلاقة تماماً، فلا شيء مضمون، وهذا ما حدث بالفعل.
لم أندهش كثيراً عندما تحولت مشاعر الرجل “أكرم” إلى امرأة أخرى “حنان مطاوع” وظلت حالة الأنثى “نايلا” على حالها من حبها له، فالرجل دوماً لا يفاجئنا عندما يتحول قلبه من امرأة لأخرى في فترة زمني قصيرة لأن هذه طبيعة الرجال ونقلها بصدق “تامر محسن” مخرج العمل وصاحب القصة، ورغم أنه رجل، لم ينكرها.
السوشيال ميديا عالم مخيف لا ننكر جميعاً ضرره، رغم أنه يساعد في ميلاد علاقات جيدة، لكنه يساعد على هدم علاقات أخرى، “سمر مرسي” تعيش علاقة زوجية متوازنة، لكن كالمعتاد، لا يمانع الرجل في الدخول في علاقة مع أخرى -وهذا ما حدث معها- حتى ولو كانت علاقة عابرة عبر النت، والزوجة آخر من يعلم!
على الناحية الأخرى وفي حي شعبي ووسط مستوى اجتماعي أقل، نجد علاقات ثنائية أخرى عديدة، تظهر فيها المرأة ما بين القوة والضعف، الأنوثة والشدة.
“عبلة” المرأة العاملة البسيطة، تعمل وسط الرجال رغم أنها في حي شعبي، قوية الشخصية، لا ترضى على نفسها بالاستمرار مع زوج يهينها حتى إنها خلعته، رغم قصة الحب التي جمعتهما قبل الزواج، هنا يوضح لنا العمل نقطة مهمة وهي “الحب وحده لا يكفي” هناك عوامل أخرى لا بد أن تكون جنباً إلى جنب مع الحب، منها الاحترام بين الطرفين، تجسد شخصية عبلة الفنانة “حنان مطاوع” والحديث عن حنان مطاوع يحتاج إلى مقال منفرد، فنانة تملك زمام الشخصية، تعيشها تماماً لذلك تصل إلى المشاهد بكل سهولة.
علاقات متشابكة أخرى خلف الجدران يكشفها لنا العمل، وربما هذه هي المرة الأولى التي يتطرق إليها عمل درامي، كما هو الحال في المشاهد التي ظهر فيها “سوني” محمد فراج، وهو صاحب محل تصليح موبايلات، يتجسس على البنات والسيدات اللائي يلجئن لتصليح التليفونات الخاصة بهن ثم يبدأ بتهديدهن، نوع جديد من الابتزاز.
وهنا أود أن أشكر كلاً من تامر محسن صاحب القصة ومحمد فريد كاتب السيناريو على تطرقهم إلى هذا الموضوع الشائك والذي ممكن أن يؤدي إلى خراب البيوت أو ربما إلى الانتحار، لأن ذلك يعتبر نوعا من التوعية للمشاهد وهذا ما يجب أن تكون عليه الدراما، تكون ذا هدف وقيمة.
نوع آخر من العلاقة السوية يمثلها “تقى” و “سمير” فليست كل النساء عاهرات وليس كل الرجال شياطين, تقى لا ترضى أن يبتزها شخص وتحارب بكل السبل من أجل ألا ترضخ للمبتز، كذلك سمير الذي يقف بجانبها للتخلص من هذا الابتزاز، وجود شخصية “سوني” ويقابلها شخصية “سمير” كذلك ” تقى” والبنات اللائي رضخن للابتزاز ليس وجودا اعتباطيا، لكن وجود الشخصية وما يقابلها يوضح أن المجتمع ليس كله سيئاً ووسط الشر يوجد الخير، ووسط القبح هناك الجمال.
هذا المساء، دراما الواقع، دراما الدخول إلى عوالم النفس البشرية، الدخول إلى عمق المجتمع، العمل درامي متكامل بداية من اختيار أماكن التصوير، الإضاءة، الموسيقى التصويرية، التصوير واختيار الكادرات، الوجوه الجديدة التي أثرت العمل والتي أتوقع أن يكون لها شأن كبير وأخص منها “تقى” أسماء أبو اليزيد، أنصح بمشاهدة العمل، والمخرج تامر محسن من المخرجين الذين يثق المشاهد في أنه سوف يقدم عملاً متميزاً، وشاهدنا ذلك من قبل في “بدون ذكر أسماء”،”وتحت السيطرة”. تحية لكل فريق العمل.