أندرو محسن يكتب: في الحلقة السابقة (6)

“واحة الغروب” هو أحد أكثر الأعمال التي كانت منتظرة في رمضان الحالي، لأسباب كثيرة، فهو مأخوذ عن عمل أدبي ناجح لأديبٍ معروف، كذلك يشهد عودة الثنائي الناجح السيناريست مريم ناعوم والمخرجة كاملة أبو ذكري بعد توقف دام عامين منذ “سجن النسا”، بجانب وجود فريق ممثلين مميز بالطبع. فهل كانت النتائج على قدر التوقعات؟

1- المسلسل يدور في حقبة لم تتطرّق إليها الدراما كثيرًا، نهاية القرن الـ 19، وفي مكان أيضًا لم تذهب إليه الدراما، واحة سيوة، ولهذا فالعمل يشكّل إغراءً وتحديًا لأي مخرج حتى يفرض رؤيته على مساحات جديدة تمامًا.

2- من هنا كان أمام كاملة أبو ذكري تحدٍ مضاعف، فعليها ألا تكتفي بالتفاصيل المعتادة للسيناريو، بل يجب أن تهتم بإظهار روح الزمان والمكان الغارقان في التفاصيل الكثيرة والجديدة بالإتقان نفسه.

3- حاولت المخرجة الإبقاء على العمل متماسكًا بكل جوانبه في الحلقات الأولى، ولكن الإيقاع بدأ في الإفلات بداية من الحلقة الخامسة، أخذت الأحداث تقل بشكل واضح، والمشاهد تصبح أطول من اللازم.

4- على سبيل المثال، ثلث الحلقة السادسة كان العُرس في الواحة، نقاش الضابط محمود (خالد النبوي) عن نقله إلى الواحات مع قياداته ظهر في مشهدين طويلين، وكلاهما احتويا على الحوار نفسه تقريبًا.

5- منذ نهاية الحلقة السابعة وحتى نهاية الحادية عشر لم تزل قافلة محمود في طريقها إلى الواحة، التطور الوحيد الذي حدث هو الحمى التي أصابت محمود، بخلاف ذلك مشاهد متكررة للقافلة في طريقها، على أهمية نقل هذا للمشاهد حتى يشعر بوعورة الرحلة إلا أن هذا استهلك أكثر من اللازم، وهو الأمر نفسه مع مشهدي الحرب في الواحة اللذان تكررا بحذافيرهما تقريبًا.

6- هكذا يمكن القول أن كاملة أبو ذكري اهتمت بالأكثر بالجانب التقني وتفاصيل الزمان والمكان على حساب الأحداث نفسها، الصورة وتفاصيلها دائمًا جميلة، لكن الأحداث ليست بالجمال والجاذبية نفسها.

7- من هذا المنطلق، يمكن تقبل مشهد العُرس الطويل في إطار فيلم وثائقي عن تقاليد الواحات بأكثر مما يمكن قبوله في مسلسل تلفزيوني. يعزز من الشكل الوثائقي، الإلقاء الصوتي (Voice Over) الذي يصاحب الدخول إلى مشاهد الواحة، فيسرد العادات والتقاليد أثناء ظهور المشاهد.

8- في الحلقات الأولى، كانت هناك بعض المآخذ على أداء خالد النبوي، أهمها تحدثه بصوت منخفض في عدة مشاهد حتى لو لم يحتج المشهد إلى هذا، لكن للأسف استمر هذا الأداء طوال الحلقات التالية.

9- منة شلبي اجتهدت جدًا لإتقان كلامها بالعربية بلكنة أجنبية، وإن كان عليها أن تبذل المزيد من الجهد في إتقان الإنجليزية أيضًا باللهجة الأيرلندية. لكن هذا لا ينتقص من أدائها المميز لشخصية لم تقدم مثلها من قبل.

10- أحمد كمال في شخصية الشيخ يحيى صاحب حضور استثنائي في المسلسل، مشاهده دائمًا ممتعة، يعلم جيدًا ما هي تفاصيل الشخصية التي يقدمها، ويجيد تجسيد ملامح الحكمة والحزن الداخلي، مع الحفاظ على روح الشيخ العجوز في الحركة وطريقة الكلام.

11- بعيدًا عن إيقاع الأحداث، وتفاوت الأداء التمثيلي، يتفوق المسلسل بالنظر إلى التفاصيل التقنية.

12- نانسي عبد الفتاح مديرة التصوير لا تقوم بعملها بل هي تتفنن فيه، بينما يجاهد الكثيرين لتقديم صورة جيدة في أعمال تدور في الزمن الحالي، حين تتواجد الكثير من سبل الإضاءة بالفعل، تُبدع نانسي في ابتكار إضاءة تليق بالزمن من شموع في بيت الضابط، ومشاعل أو حطب في الواحة وفي الخيام، والمصابيح الزيتية في حلقات الذكر. بالإضافة لتوظيف الإضاءة الطبيعية بشكل رائع.

13- كل هذا منح المشاهد صورة مميزة ومختلفة خاصة به لا يمكن الخلط بين تفاصيلها وأي عمل آخر.

14- يأتي كذلك الديكور الرائع لفوزي العوامري لينقل تفاصيل ذلك الزمن إلى الحاضر بإجادة، البيوت القديمة، ومكاتب الإنجليز، ثم بيوت الواحة، ومكتب المأمور هناك أيضًا، جميعها أماكن قدمها فوزي العوامري بإجادة.

15- وحتى تكتمل صورة ذلك الزمن كان لا بد من تقديم ملابس العصر، وهو ما فعلته مصممة الملابس ريم العدل، ربما يظهر محمود عادة بملابس الضابط، لكن يمكن هنا ملاحظة الأزرار التي تحتوي على رسم الهلال، أما الفساتين فلا شك أنها ساهمت كثيرًا في تحويل منة شلبي إلى كاثرين التي نشاهدها.

16- تامر كروان يقدم أفضل أعماله منذ زمن، الموسيقى التصويرية ليست موسيقى التترات فقط ثم إعادة وضعها داخل المسلسل بتوزيعات مختلفة، بل هي تقديم عدد من المقطوعات المناسبة للأحداث، وكلما اقتربت الموسيقى من زمان ومكان الأحداث كلما كان تأثيرها أفضل. هنا يمكن ملاحظة اعتماده بشكل قوي على الدفوف كآلة إيقاعية قديمة، ثم الوتريات بشكل أساسي، مع أصوات المنشدين، وفي مقطوعات قليلة نجد آلة النفخ الأوبوا مع البيانو.

17- على الرغم من اهتمام المخرجة بالتفاصيل الفنية كما ذكرنا، إلا أن مشاهد الحرب في الحلقة الأولى ثم مشاهد الحرب في الحلقة التاسعة بين أهل الواحة لم تخرج بالمستوى المطلوب خصوصًا هذه الأخيرة.

18- استخدام منظور عين الطائر في مشاهد الحرب يكون مطلوبًا لتصوير إمكانيات الجيشين، مثل الصورة المرفقة لمشهد من مسلسل Game of Thrones، لكن استخدامه في حرب بين عشيرتين في الواحة عددهما قليل لم يكن موفقًا بل أعطى تأثيرًا عكسيًا بقلة العدد.

 

19- كذلك تقطيعات المونتاج في المعارك كانت سريعة، وهو مطلوب، لكنها هنا كانت سريعة إلى درجة عدم القدرة على فهم ما يحدث، نرى فقط حركة وملابس دون معرفة من يضرب من، أو موضع الشخصيات الرئيسية من الأحداث.

مشهد الحلقة السابقة:

يوجد الكثير من المشاهد الجميلة في المسلسل بالنظر إلى تكوين الكادر واستخدام الإضاءة، لكن يظهر انسجام عنصر الإضاءة مع كادرات كاملة أبو ذكري في المشهد الأخير من الحلقة 11. مليكة قرب الفجر تذهب إلى قبر حبيبها لتقدم له التمثال الذي صنعته بيديها.

يمكن ملاحظة أنوار الفجر على استحياء في الخلفية، حوّلت هذه الإضاءة الضعيفة مليكة بجانب القبر وكأنهما من مادة واحدة ونلاحظ أن لهما الطول نفسه، وإن احتفظت هي بلونها الأبيض، للتميز عن الموتى، أما من تابعها فيقع في دائرة الظلام وكأنه لا ينتمي إليها.