يأتي مسلسل باب الحارة في موسمه التاسع (بعدما بدأ في العام 2005، وتوقف في العام 2010 حتى العام 2014 عندما عاد للعمل) والذي تقدّمه قناة الأم بي سي (ويخرجه وينتجه بسام الملا) عملاً “شعبوياً” أو كما يسمّى باللغة الإنكليزية “cult work” بالتالي إنه عملٌ تتابعه في رمضان لأنه جزء من بنيان رمضان الطبيعي. طبعاً أنا أتحدث ههنا بلهجة “أهل الشام” وبطريقة تفكيرهم، وقد يكون إخوتي المصريين بعيدين كل البعد عن “داء باب الحارة” المستشري كل رمضان.
إذ باتت لا تخلو أي مائدةٍ رمضانية مسلسلاتية في أي بيتٍ مشرقي من “باب الحارة” على الرغم من أنه كعمل يشبه أفلام المقاولات التي سادت في ثمانينات القرن الماضي في السينما المصرية. طبعاً هنا يجب الحديث وبشكل كبير عن أنَّ المسلسل شكّل في لحظةٍ ما واحداً من المسلسلات التي أعادت البيئة “الشامية” (أي السورية القديمة والتي تدور في عشرينيات القرن الماضي) إلى واجهة العمل الدرامي السوري، وكان لها فضلٌ كبير في تعويم الدراما السورية إجمالاً وعموماً واعطائها أهمية كبرى.
نرشح لك : عبد الرحمن جاسم يكتب عن “رمضان كريم” : في امتداح العادي
كل ذلك انتهى مع الموسم الثالث من المسلسل، إذ بدأ أبطال العمل بالرحيل واحداً تلو الآخر؛ فرحل سامر المصري، و”قتلت” شخصية الزعيم التي أداها الراحل عبدالرحمن آل رشي، ورحل عباس النوري (ليعود لاحقاً في الجزء السادس) وقتلت شخصية “الإدعشري” التي أداها بسام كوسا، أما مؤخراً فقد رحل تقريباً آخر الشخصيات المحببة من المسلسل مع رحيل وائل شرف الذي كان يقدّم دور العقيد معتز، إضف إلى العديد من الشخصيات التي توفاها الله كوفيق الزعيم، حسن دكاك، وسواهم.
رحيل هذه الشخصيات المؤثرة والجدّية الإداء حل مكانها “النمس” مصطفى الخاني ذو الإداء الكاريكاتيري للغاية “الأوفر” في لحظاتٍ كثيرة، إضافةً لشخصيات يمكن القول بأنّها تستهلك إدائها مثل محمد خير جراح (القدير للغاية، ولكن في باب الحارة يستهلك نفسه كثيراً للأسف)، وشكران مرتجى (ونفس الأمر ينسحب عليها، فهي قادرة على الإداء الجيد، لكنها تضحي بنفسها في مسلسل كهذا).
الأمر الآخر الذي يمكن الحديث عنه في المسلسل هو القصّة، فبعد أن كتب مروان قاووق الأجزاء الثلاثة الأولى (بالتعاون في أول جزء مع كمال مرّة)، عاد مرّة ليكتب الجزئين الرابع والخامس؛ فيما انحدر المستوى مع عثمان جحا وسليمان عبدالعزيز الذين توليا الأجزاء اللاحقة. لا تقدّم القصة في العمل أي شيء، حيث لا قصّة أصلاً، ولا منطق ولا حتى بناء درامي. إنهم مجموعة من الممثلين عليهم أن يعملوا معاً لانتاج عملٍ لابد من انتاجه في رمضان.
هكذا هو الأمر ببساطة. كل هذا يضاف إلى استسهال في التعامل الدرامي مع الأحداث، فلا تجد “حبكة” أو “لعبة” درامية، ويذكرنا كثيراً بالجزء الأخير من ليالي الحلمية (ذاك الذي لم يكتبه الرائع الراحل أسامة أنور عكاشة لناحية الإسفاف والإستسهال والإستسخاف).
موسيقياً، كانت أغنية المسلسل واحدةً من اقوى ميزاته، إذ كانت الأغنية التي ألّفها أسامة السعود، وأداها عاصم سكر ومأمون عبدالسلام، فيما تولى التلحين والتوزيع الموسيقي سعد الحسيني رائعةً لدرجة أن الجميع افتتن بها مع الأجزاء الأولى، وسرعان ما باتت جزءاً أيضاً من ثقافة رمضان المشرقية/الشامية، إذ يكفي أن تسمع أغنية المسلسل حتى يصيبك الحنان لرمضان.
اليوم ومع سوء حال المسلسل، وعلى الرغم من كل سيئاته وأخطاءه ومصائبه حتى، فإن المشاهدين لايزالون يعتبرون وجود المسلسل من الضروريات في رمضان كما لو أنّه تمرٌ أو شراب عرق سوس. إنها حالة مدهشة في الغرابة، وحده بسام الملا (وعائلته) يمتلكون الدجاجة التي تبيض ذهباً، والأم بي سي تدفع وتستفيد!