سيظل تامر حبيب وحده قادراً على الغوص بهذا العمق بداخل الأرواح والأوراق التى يستطيع بمفرده أن يحيلها لحماً ودماً، فيُّمكننا من ملاطفة أنفسنا ومداعبة أرواحنا بقلمه الساحر، لم تكن رائعة إحسان عبد القدوس “لا تطفئ الشمس” فى حاجة إلى مديح أو إطراء، ولم يكن مستغربأ أن ينال هذا العمل إعجاب مشاهديه فى رمضان، لكن ما إن ارتبط هذا الإحياء باسم تامر حبيب عندها فقط يجب عليك أن تتوقع معالجة شديدة التفرد والاختلاف.
لكن الحقيقة هى أننى لم أكن أتوقع كل هذا الإبداع وكل هذا الغوص بداخل شخصيات عبد القدوس، والتى أظن أنه لو كان بيننا اليوم لظن أن تامر حبيب يُعرفه بها لأول مرة، وأنه لم يكن يعرف ما تخفيه كل شخصية منها فى أعماقها، هذا العمل الساقط من سلة الزحام الرمضانية، هو دراما إنسانية فريدة من نوعها تجعلنا ننتبه لحجم الغربة الساكنة فى واقعنا و حجم الصدمة التى دائماً ما يخفيها الواقع تحت سطحه.
لا تطفئ الشمس هزة إنسانية حنونة جعلتنا نرى كل شخصيات عبد القدوس وواقعها على مهل وكأننا ممزقين منها، كل ما فى الأمر أن انفلاتنا منها يختلف فى كل مرة ويتباين بيننا، أما عن اختيارات محمد شاكر خضير لأبطال العمل؛ فأظن أنه تعامل مع الأمر كما فراشة تفتح أبواب الحب وتنقل معه الحياة رغم كل ما تحمله من تناقضات مفعمة بالحزن و الخيبة، وأظن أنه كان مصراً على إحترام شخصياته وجمهوره فى كل مرة سنطالع فيها حلقات هذه السيمفونية الدرامية.
ما فعله تامر حبيب ومحمد شاكر هو أنهما قررا أن يكسبا كل شئ دفعة واحدة وأن يبقيا على الحزن شديد الإثارة والحب شديد البهاء والانكسارات والخيبات التي تتوسط هذا العالم المتهالك فصار العالم أكثر تماسكاً عندما كتبه تامر حبيب وأخرجه محمد شاكر، أما عن روعة أداء أرواح هذا العمل فهم ليسوا مجرد أبطال له بل هم أرواحه فقد تلبسوا أرواح شخصياته، وكأن هذا العمل هو عمل سحرى وليس عمل درامي.
تايسون مبهر كعادته لكنه تفوق على نفسه وفتحى عبد الوهاب الذى تألمت لألمه وانكسرت لانكساره، أمينة خليل صاحبة العيون اللامعة كضوء الشمس، والعظيمة عارفة عبد الرسول وكل ما بهذه الشخصية من ثراء و تناقض، ميرفت أمين والتى أحسست أنى أشاهدها تحب لأول مرة، والمتوهج أحمد مالك الذى يبقينا مشدوهين نراقب أدائه بهدوء ونتجرع مشاهده على مهل فتسكرنا التفاصيل، لا تطفئ الشمس عمل يتواطئ مع كل صناعه حتى لا تطفأ الشمس فى قلوبنا أبداً .