محمد عبد الخالق يكتب: من مشاهد لقنوات الدراما: اعتبروا التعاقد بيننا لاغي

لم يكن يتخيل عندما كان يشاهد الجزء الأول من “المال والبنون” عام 1993، أي منذ حوالي 14 عاما، أنه سيأتي عليه اليوم الذي لا يستطيع فيه متابعة أي مسلسل من مسلسلات رمضان، وأنه سيلجأ إما إلى متابعتها على اليوتيوب، أو الانتظار لمتابعتها في الإعادة بعد الشهر الفضيل.

لقد أثبتت شركات الإنتاج بلا استثناء هذا العام أن زمن الإنتاج الفني بهدف إمتاع الجمهور أو الإبداع الفني ولى بلا رجعة، وهذا ليس افتراء على أحد، وإنما حقيقة يراها ويعيشها كل جمهور المشاهدين أمام جميع الشاشات، التي تحولت إلى مجرد أدوات لجمع الأموال من الإعلانات، وأصبح الهدف الأول والأخير لها هو الحصول على أكبر قدر من العقود الإعلانية، وليذهب المشاهد والعمل الفني للجحيم.

بحكم تغير ظروف عملي هذا العام وجلوسي بالمنزل بعد الإفطار، أجد نفسي متابعا جيدا لكل ما تقرر ابنتي ذات الخمسة أعواد مشاهدته، والحمد لله فطرتها الدرامية سليمة وتختار لي مسلسلات جيدة، لكن المستفز في الأمر أنني أجد نفسي أشاهد 3 دقائق أو أقل من المسلسل، أوقات كثيرة لا تكفي هذه المدة لانتهاء حدث درامي أو مشهد متكامل، ثم فاصل إعلاني ربع ساعة أو ثلث ساعة حسب التساهيل، ثم نعود مرة أخرى لـ3 دقائق من المسلسل ثم فاصل إعلاني وهكذا، لدرجة أنك لو قررت التحدي والجلوس أمام المسلسل لنهايته، فإن الفترة من بعد الإفطار مباشرة وحتى السحور لن تكفي سوى لمشاهدة حلقتين فقط من أي مسلسل.

لا أتجاهل حق جميع الأطراف في الاستفادة والربح، فهو عقد غير معلن بين القنوات التليفزيونية والمشاهد، ندفع مبالغ لشراء أعمال لتشاهدها مجانا في منزلك، مقابل عرض مجموعة من الإعلانات تعوضنا عن ثمن المسلسل، هذا هو شكل العلاقة بوضوح وبدون تجميل، على الأقل في جانبها الاقتصادي فقظ.

الحقيقة أنه بكل بساطة القنوات التليفزيونية باعتنا (مشاهدين) وباعت المسلسل (قصة وسيناريو وحوار وإخراج وتمثيل وموسيقى وتصوير) للمعلنين.

فيا أيها المشاهدون:وعدتنا القنوات التليفزيونية في سباقها المحموم على اقتناص أكبر عدد منا بمشاهدة مسلسل لنجلس أمامها، ولم تراع أو تحترم أي مشاعر أو وقت المشاهدين، من المقبول أن تكون هناك إعلانات لتحقق القناة ربحا، فكل القنوات “المحترمة” تعرض إعلانات في الفواصل لكن ليس بهذا القدر؟! هذا ليس له سوى اسم واحد:”عدم احترام المشاهد”.

ويا صناع الأعمال الفنية: هل هذه الأعمال الفنية التي شوهتها الإعلانات ليس لها آباء أو أهل يسئلون عنها ويغيرون عليها؟ هل مجهودكم وفنكم وإبداعكم لا يستحق أكثر من المبلغ الذي حصل عليه المنتج مقابل عرض العمل على إحدى القنوات؟ هل حصولكم على أجوركم هو النهاية وليذهب ما قدمتموه إلى الجحيم؟

ألا يوجد من يعترض على هذا التشويه الذي تجاوز كل الحدود، أي مشاهد هذا الذي يمكنه أن يدخل في المود ويتعاطف مع مشهد مؤثر يتم قطعه فيمنتصفه ليعود بعد ربع ساعة، أي مشاهد سيندمج مع إفّيه ظريف أو مشهد كوميدي يتم تقطيعه لمقاطع لا تتجاوز الدقائق القليلة، تفصل بين كل قطعة وأخرى ربع ساعة إعلانات؟

إذا كان الأمر هكذا إعلانات ليس أكثر، فبلاها من الأصل إنتاج مسلسلات، ونكتفي بالإعلانات، خاصة أن نجوم التليفزيون والسينما كلهم تقريبا يقدمون الإعلانات بشكل ممتع وجذاب، يغنون ويرقصون ويقفزون.

يبدو أن الطرف الأول من التعاقد (القنوات التليفزيونية) قد توحش وتغول وضرب بكل حقوق الطرف الثاني (المشاهد) عرض الحائط، ولم يلتزم بشروط العلاقة المتوازنة، لذا فأنا أعلن العصيان وأدعوكم للانضمام لهذه الحركة المباركة، لنتفرغ جميعا في شهر رمضان للأجواء الروحانية والأسرية، ولنتابع ما يروق لنا من أعمال درامية على اليوتيوب.

والله الموفق والمستعان.