أحرص كل رمضان على الاستمتاع بما لذ وطاب من مائدة الفنون والسهرات الرمضانية التي تُقدَّم في ساحات ومسارح دار الأوبرا المصرية، والتي تجتهد وزارة الثقافة المصرية في تنوُّع حفلاتها، وتَمْزِج بين فنونها وعروضها المختلفة. ففي الوقت الذي تعرض فيه عرائس الليلة الكبيرة في ساحة الأوبرا الخارجية أمام مسرح الهناجر، تُنشَد السيرة الهلالية في المسرح المفتوح بجوار المجلس الأعلى للثقافة، وكلاهما عرض مجاني مفتوح للجمهور خلال أيام الشهر الكريم.
أما العروض مدفوعة التذاكر (بأسعار زهيدة)، فتُقَدَّم على المسرح المكشوف، وحَرَصَتْ هذا العامَ سيدةُ الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم على زيادة حفلات الإنشاد الديني مقارنةً بالأعوام السابقة، وهو ما يعكس زيادة الإقبال على هذا النوع من الحفلات التي تناسب الشهر الكريم، ويضم برنامج هذا العام حفلات مختلفة منها: مجموعة الحضرة للإنشاد الصوفي، والمطربة دينا الوديدي، والإخوة أبو شعر، وفرقة عمدان النور، والمنشد محمود التهامي، وفرقة أيامنا الحلوة، والمنشد إيهاب يونس، وعازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز، والمنشد ياسين التهامي، والمنشد علي الهلباوي، وعازفة الهارب منال محيي الدين، وأحمد سليمان وفرقته سلطان العارفين، ورائد موسيقى الجاز يحيى خليل، ويختتم البرنامج بحفل المولوية المصرية.
وللمرة الأولى أسعَدُ هذا العام بحضور حفل لفرقة “الإخوة أبو شعر” للإنشاد الصوفي، حيث قدمت الفرقة مجموعة رائعة من الابتهالات والأناشيد الدينية والمدائح النبوية منها: “يا جمال النبي”، “قمر سيدنا النبي”، “رمضان جانا”، “على بلد المحبوب”، “أحمد يا حبيبي”، “الحمد لله والشكر لله”، “البردة”، “مولاي إني ببابك”، “إلى أسيادي ردوني”، “ألا بالله نظرة”، “ما لنا مولى سوى الله”، وصاحَبَ الفرقةَ ثلاثةٌ من راقصي المولوية زادوا المشهد روحانيةً، ولم تبخل الأوبرا، وقامت بتشييد ديكور بديع زَيَّنَ مسرحها المكشوف كي يتناسب مع جوِّ السهرات الرمضانية فساعَدَ في إضفاء حالة بهجة وسعادة على الحضور.
وفرقة “الإخوة أبو شعر”، هي فرقة أناشيد إسلامية سورية تأسست عام 1983، وستة من أعضاء الفرقة إخوة من عائلة “أبو شعر”، والدهم الشيخ موفق أحمد إسماعيل أبو شعر الحسيني الرفاعي، الذي كان مُنشِدًا في دمشق، وكان عالمًا بالأنغام والموسيقى، ويرجع نسَبُهُم إلى سيدنا الحسين رضي الله عنه، وتخصَّصَت الفرقة في تقديم فنِّ الإنشاد الديني بالاعتماد على مقامات الموسيقى العربية، واستلهام أدوات المولوية السورية، وهم يقيمون حاليًا بمصر.
وكنت لا أودُّ الدخول في المشروعية الدينية للفنون الصوفية من رقص وغناء، حتى فاجأَتْنِي كثرةُ الأسئلة عنها خلال رحلة بحثي وتوثيقي لبعض المعلومات الواردة في المقال، وقد استقرَّتْ في قناعتي منذ زمن حكمةٌ تصلح للقياس في كل أمور الحياة: “ما وافق منها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مقبول، وما خالف فهو مرفوض”.
ويقول الشيخ نوح علي سلمان (رحمه الله) من علماء أهل السنَّة والجماعة في الأردن ومفتيها العام سابقاً، أن “أصل التصوُّف هو تربية الإنسان ليطَبّق الأحكام الشرعية بالشكل الصحيح، ولينزع من نفسه الأخلاق الذميمة ويغرس الأخلاق الحميدة، ولهذا عرّف بعضهم التصوف بأنه (العمل بالعلم)، وقد شذّ قوم منهم عن هذه القواعد وابتدعوا ما لم يأذن به الله، وهذا عيب على المبتدعين لا على الصادقين من أهل التصوّف”. وأما الغناء الصوفي، وما يصاحبه أحيانًا من رقص، مثل المولوية، فينطبق عليه القياس السابق، وأرى أنها في معظمها تحقِّق أهداف التصوف، ومنها التحلي بالأخلاق الحميدة والتقرُّب إلى الله ومَدْح خير خلقه محمد عليه أفضل صلاة وسلام.
والله أعلم.. ورمضان كريم.