الباحثون عن المسلسلات الرومانسية، والأحداث الهادئة البعيدة عن التعقيدات والخطوط المتشابكة، وجدوا ما يبحثون عنه في “حلاوة الدنيا”، لكنهم في المقابل كان عليهم التعايش مع مرضى السرطان، وما يحيط به من تفاصيل قاسية حتى نهاية المسلسل فيما يبدو:
رهان صعب الذي خاضه صناع المسلسل، فالقصة مفهومة والأحداث متوقعة بمجرد مشاهدة الإعلان وبوستر العمل. مريضة بالسرطان وقصة حب، لا يمكن انتظار الكثير من الأحداث، وهكذا جاءت حلقات المسلسل بالفعل لا تحمل أكثر من هذا مع خطوط جانبية بسيطة لا تأخذ حيزّا كبيرًا.
لهذا كان الرهان على كيفية تنفيذ هذه القصة البسيطة بشكل يضمن الحفاظ على المشاهد طيلة حلقات العمل.
منذ الحلقة الأولى نجد اختيارات مريحة جدًا للمشاهدة، تركيبة الأسرة والأصدقاء يسهل التفاعل معها وتقبّلها.
هنا أول ما يُحسب للمخرج حسين المنباوي، اختيار طاقم الممثلين بشكل موفق. كل ممثل يليق بالوجود في هذا المكان، الأمر ينطبق على الشخصيات الرئيسية والثانوية، والاستثناءات لا تتجاوز الممثل أو الاثنين.
هند صبري تتألق بعيدًا عن الكوميديا، كلما كان الدور جادًا ويتطلب مساحة من الصدق كلما بدا مناسبًا لها.
شخصية أمينة ليست سهلة على الإطلاق، عدد المشاعر التي تقدمها هائل، تطور نفسيتها من عدم التصديق إلى الانهيار ثم القبول، ومشاعرها وردود أفعالها في كل مرة كانت تخبر فيها أحدًا بطبيعة مرضها، كل هذا كان يحتاج إلى ممثلة قوية، كل هذا كان متحققًا في هند صبري.
هل يجب التحدث عن حنان مطاوع في نقطة داخل المقال أم يجب أن نُفرد لها مقالًا كاملًا؟ الاثنان.
حنان مطاوع دون مبالغة أحد أهم عوامل نجاح المسلسل، لنا أن نحصي عدد الممثلين والممثلات الذي قدموا دور صديق أو صديقة البطل، كثيرون كانوا في قالب كوميدي، وقليلون قدموا الشكل الواقعي، ومن بين هؤلاء القلائل سيبقى تشخيص حنان لشخصية سارة داخل المسلسل في الأذهان.
إذ وصلنا إلى الأصدقاء يجب أن نذكر الوجه الجديد، ياسمين غيث، التي جسدت دور هبة الصديقة مريضة السرطان، ياسمين أصيبت بالسرطان بالفعل، لكن ما شاهدناه ليس أداء من عايش التجربة فيعيد تجسيدها، بل أداءً متميزًا ولافتًا لشخصية مُنتعشة ومُنعشة لمن حولها رغم مرضها، وهو ما يحتاج إلى موهبة.
موهبة شابة جديدة هي سلمى أبو ضيف في دور عاليه شقيقة أمينة. تحتاج إلى بعض التدريب لضبط تعبيرات الوجه في الانفعالات، لكن هذا لا يمنع من البداية الموفقة.
رغم صغر مساحة وتأثير دورها مقارنة بالعام الماضي في “ونوس” إلا أن نهى عابدين لا زال بإمكانها تقديم أداء جيد في مساحة صغيرة.
مصطفى فهمي يليق به دور الطبيب المتمرّس في العلم بشكل يجعلنا لن نندهش لو قابلناه في أي مستشفى في زي الطبيب بالفعل.
بالرغم من التطور النسبي في أداء ظافر العابدين هنا، إلا أنه يحتاج إلى العمل أكثر على نفسه للتغيير من أدائه للشخصيات المختلفة والانفعالات المختلفة. يمكن وضع أداء ظافر هنا في مقارنة مع أدائه في “تحت السيطرة” ولن نجد اختلافًا كبيرًا رغم اختلاف الشخصيتين.
مديرا التصوير جمال البوشي ومحمد مختار قاما بعمل هام جدًا، على الرغم من حالة الرومانسية إلا أن الأجواء القاسية لمرضى السرطان تضرب في المسلسل بقوة. ما فعله مديرا التصوير هو أن جعلا إضاءة المسلسل دائمًا مشرقة والألوان معظم الوقت هادئة، مما يكسر حالة الحزن التي تكون موجودة في المشاهد.
بالإضافة لهذا قدما العديد من اللقطات الجميلة للإسكندرية.
على قدر الاهتمام بأن يكون السيناريو بسيطًا، كان هناك اهتمامًا أكبر بملاءمة الحوار للشخصيات المختلفة، فيظهر أن كل شخصية طوال الحلقات تتكلم بما يناسبها بالفعل، يمكن قراءة الحوار فقط لمعرفة أي الشخصيات يمكن أن تنطق بهذه الجملة. الحوار لسماء عبد الخالق وإنجي القاسم وإشراف تامر حبيب
يقف وراء العمل المخرج حسين المنباوي في ثالث أعماله، بعد فيلم ومسلسل، المسلسل يدور في أجواء مختلفة تمامًا عن أجواء عمليه السابقين، ينتقل هنا إلى أجواء رومانسية إنسانية وينجح في تقديمها بشكل متقن.
أفضل ما في “حلاوة الدنيا” هو إخلاصه لتيمته وموضوعه، هو عمل لا يدعي أكثر مما يجب أن يقدمه بالفعل، يشترك في هذا كل العناصر، فالسيناريو يركز بشكل أساسي على أمينة ومرضها وحياتها العاطفية، والصورة جاءت لتخدم بساطة السيناريو دون إغفال ملامح الجمال، وهذا الحالة الواحدة والمتماسكة المحيطة المحيطة بالعمل، هي أهم ما فعله حسين المنباوي، ليعلن عن نفسه مخرجًا يجيد تقديم عدة أشكال من الدراما.
مشهد الحلقة السابقة:
يبقى مشهد إخبار أمينة لسارة بمرضها هو أفضل مشاهد المسلسل حتى الآن، إذ تجتمع فيه كل عناصر المسلسل ليخرج بشكل لافت.
يرتكن المخرج حسين المنباوي إلى وجود ممثلتين قادرتين على الانتقال بالمشاعر المختلفة في أقل من ثوانٍ. لهذا يمنح المشهد كل التمهيد الممكن، والحوار يحتوي على قدر كبير من البهجة قبل حدوث الصدمة المُنتظرة، المنتظرة منذ الحلقة الأولى.
يمكن متابعة كيفية انتقال هند صبري وحنان مطاوع من البهجة التامة إلى الحزن التام، ورصد الكاميرا لكل منهما على حدة في لقطات متوسطة، منذ بداية المشهد، ولا تلتقيان في لقطة واحدة إلا بعد الخبر لنرى تأثيره على كل منهما في اللحظة نفسها. تأثير الاعتراف على أمينة والصدمة على سارة.
حنان مطاوع تمسك بشخصيتها جيدًا، سارة حتى عندما تبكي لن تكون جادة، لهذا تبدأ في البكاء كما الأطفال قبل أن تحتضنها أمينة وينتهي المشهد في لقطة أخيرة لهما معًا.