نقلا عن جريدة “المقال”
الرئيس السيسي يرد على اتهامات أبو الغار، كان هذا هو العنوان الغالب على متابعات وسائل الإعلام التي التقطت الحدث واهتمت به، لأنه بالفعل ليس حدثا طبيعيا أو بسيطا.
كون الرئيس يرد على اتهامات مواطن بالدولة له، فلابد أن الأمر جد خطير والحدث جلل، ولابد أن رد الرئيس قوي وقاطع مانع جامع.
لكن الحقيقة أن اتهامات أبو الغار هي التي كانت شاملة وموجهة لكل من بالدولة بمن فيهم الرئيس السيسي نفسه، بينما رد الرئيس جاء على غير المنتظر.
فالحكاية هي أن الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، كتب مقالا في صحيفة “المصري اليوم” بعدد الاثنين الماضي، كال فيه الاتهامات للدولة وللرئيس عبد الفتاح السيسي بتعمد تعطيل البرلمان وتدخل الأجهزة الأمنية في تشكيل القوائم أو الضغط على راغبي الترشح للانضمام لقائمة بعينها ليكون البرلمان خاضعا للدولة.
الحقيقة أن اتهامات أبو الغار ليست جديدة وسبقه إليها سياسيون وحزبيون آخرون، ولكن الجديد أن أبو الغار كان عضوا بلجنة الخمسين لوضع الدستور والتي اتهمها في مقاله بأنها اول من تحايلت لتأخير البرلمان وجعل انتخابات الرئاسة أولا بتوجيه من الدولة، ثم وضعها لنصوص دستورية فضفاضة وتحايلية لعدم حسم فترة زمنية محددة تجري فيها انتخابات البرلمان.
والحقيقة بعيدا عن مناقشة مدى جدية اتهامات أبو الغار من عدمه لأنها جاءت متأخرة وكأنها اعترافات من يريد القفز من المركب كي يبريء نفسه، بينما الحقيقة أن اتهاماته لو صحت فهو نفسه متهم بها ومشارك فيها بصمته عليها وقتها، وقد يتم تفسيرها على أنه كان يصمت مقابل أن يحصل على شيء ثم خرج عن صمته بعد أن ضاعت فرص حصوله على هذا الشيء.
الجديد في مقال أبو الغار أيضا أنها لأول مرة نجد رئيس الجمهورية يهتم ويرد على ما يكتب أو ما يتم اتهامه به في مقال صحفي، وقد يكون منبع ذلك أن أبو الغار أحد الشخصيات المشاركة في رسم خارطة الطريق عقب ثورة 30 يونيو ومن ثم فاتهاماته لا يجوز تجاهلها أو الصمت عليها.
وفي الحقيقة إن رد الرئيس في حد ذاته على مقال مكتوب خطوة جيدة وجديدة ومحمودة، ولكن دعونا نقرأ رد الرئيس المكون من 3 بنود ثم نناقشه، حيث جاء نص رد الرئاسة كما نشرته صحيفة “المصري اليوم” بعددها الصادر أمس الخميس كالتالي:
– أشار د.أبو الغار إلى أن الدولة قد تدخلت فى عمل إحدى القوائم الإنتخابية، حيث أكد الرئيس في أكثر من مناسبة أن الدولة تقف على الحياد من كل القوائم و كل المرشحين ولا تتدخل ولا تدعم أياً منهم وأن دكتور ابو الغار شخصياً كان من ضمن رؤساء الأحزاب الذين التقوا برئيس الجمهورية و تم توضيح هذه النقطة في حضوره بكل شفافية .
– أشار د. أبو الغار في مقاله إلى أن الرئيس قام بإصدار أعداد هائلة من القوانين بعضها غير دستوري و بعضها يؤسس لدولة بوليسية وهنا يتم الإشارة إلى أن إصدار القوانين يتم بدورة عمل يتناغم فيها التنسيق بين مؤسسة الرئاسة و مجلس الوزراء ووزارة العدل و مجلس الدولة .
– أشار د. أبو الغار أن الرئيس و الدولة لا يريدان برلماناً يؤدي وظيفته الحقيقية و إذا إضطرا إلى ذلك فليكن برلماناً وهمياً لا قيمة له وهو الأمر الذي يتنافى مع الحقيقة و الدليل على ذلك قيام الرئيس بإصدار توجيهاته للحكومة بسرعة تعديل قانون تقسيم الدوائر الإنتخابية على اثر اصدار حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته و قد حدد الرئيس مهلة زمنية لذلك لا تتجاوز شهراً واحداً وهو الأمر الذي يثبت توافر إرادة حقيقية لدى الدولة و مؤسساتها جميعاً على إستكمال خارطة الطريق ، وقد أكد الرئيس لجموع الشعب المصري أنه مثل كل مواطن مصري يريد لوطنه الخير و يأمل أن يكون هناك مجلس نواب قوي يمثل كل المصريين
انتهى رد الرئيس، ونلاحظ فيه أن الرئيس حرص فقط على أن يدافع عن نفسه وهو ما ليس مطلوبا من مقام رئيس الجمهورية، حيث لا نطلب منه ردا كلاميا أو الدخول في سجال مع أحد مواطني الدولة بل ننتظر منه فعلا، فالاتهامات لم توجه لشخصه فقط بل لأجهزة الدولة وعلى رأسها أجهزة الأمن ولم يكن أبو الغار وحده من وجه تلك الاتهامات.
وإن كان الرئيس يملك الرد عن نفسه وتبرءتها وإن كانت الاتهامات التي وجهت له تقع في دائرة التخمين كمسألة تعمد تعطيل البرلمان أو أنه لا يريده حتى لا ينازعه السلطة، فهو لا يضمن أن يكون كل المسئولين في الدولة أبرياء خاصة أن الاتهامات التي طالت المسئولين بأجهزة الأمن لا تقع في دائرة التخمين أو التحليل.
ومن ثم كان المنتظر من الرئيس أن يكون رده عمليا بأن يوجه بفتح تحقيق عاجل في تلك الاتهامات وتحميل كل شخص مسئوليته، فلو ثبت أن هناك أي جهاز بالدولة أو مسئول بها قام بذلك فليتحمل نتيجة فعله، وإذا ثبت عدم جدية تلك الاتهامات نكون على الأقل قد كشفنا ذلك للرأي العام عبر تحقيق شفاف وإجراءات فعليه وليس مجرد الاكتفاء بالتأكيد على حياد الرئيس.
ففي الغالب هناك مسئولين بالدولة يتطوعون -بدون أي تكليف من الرئيس- لفعل أشياء تسيء للدولة ظنا منهم أنها تخدم الدولة، وهنا يصبح كلام الرئيس وحده ودفاعه وتبرئته لنفسه لا يكفي.
اقرأ أيضًا:
هشام المياني: من غير ما تغمز يا سيسي !!
هشام المياني: جثة الصحفي أهم من شغله !!
هشام المياني: صحافة برأس نعامة!!
هشام المياني: كيف تصبح مقربًا من أصحاب السلطة؟