أندرو محسن يكتب: في الحلقة السابقة (9).. كفر دلهاب

يوسف الشريف صار من الأسماء الهامة بالنسبة لشريحة كبيرة من الجمهور، تنتظر أعماله وتحب المفاجآت التي يقدمها في الحلقة الأخيرة وتظل تتحدث عنها لعدة أيام بعد انتهاء المسلسل.

”كفر دلهاب“ يشهد عودة يوسف الشريف للثنائي الذي ساهم في صناعة نجاحه، عمرو سمير عاطف مؤلفًا عن فكرة ليوسف الشريف وأحمد جلال مخرجًا:

1- إذا كان تقييم الأعمال يتم على أساس إخلاص السيناريو لموضوعه وفكرته، فإن ”كفر دلهاب“ هو أحد أفضل مسلسلات رمضان الحالي، لكن بالطبع ليس السيناريو هو العامل الوحيد.

2- إعلان المسلسل يعد بأجواء تشويق ورعب، وهو ما توافر بالفعل منذ الحلقة الأولى ولعدة حلقات، ثم توارى الرعب وازداد التشويق ولم يتوقف، وإن كانت الأحداث بدات الخدعة في التكشّف بشكل قوي في الثلث الأخير من المسلسل بشكل أفقد المسلسل جزءًا من قوته.

3- يدور كفر دلهاب في إطار من الفانتازيا في مكان وزمان متخيّلين، وتظهر سريعًا مشكلة الوقوع في فخ أبعاد الفانتازيا.

4- يظن بعض مصممي الإنتاج والمخرجين، أنه طالما نقدم زمنًا فانتازيًا فلا توجد أي قواعد تحكمنا، يمكن الرجوع إلى أعمال الكاتب جون ر. ر. تولكين صاحب ”مملكة الخواتم“ أو جورج مارتن صاحب ”لعبة العروش“، هناك خطوط واضحة لأبعاد الزمان والمكان لا يتخطاها العمل، وهذا انتقل بالطبع إلى تجسيد هذه الأعمال على الشاشة، والأمر ليسه له أية علاقة بضخامة الإنتاج بل بالدقة.

5- المكياج والأزياء تشبه الخاصة بعصر المماليك، لكن التفاصيل لا يمكن أن تكون خاصة بهذا الزمن. الطبيب يعلق في معمله لوحة للخلايا العصبية التي ظهرت في زمن لاحق. طريقة تشريح الجثة في المسلسل، تليق بطبيب متمرس في القرن الثامن عشر درس علوم التشريح بحذافيرها، هل بسهولة يمكن معرفة زاوية ميل النصل من جثة شبه متحللة في ذلك الزمن؟

6- يوجد الكثير من الثغرات في بناء الهيكل الاجتماعي للكفر. قبل انتقال الطبيب سعد للكفر هل كان الكفر يحيا بدون طبيب؟ لماذا لا يوجدة عمدة أو أي قائد للكفر سوى شيخ الغفر؟ وهل يمكن أن يكون اختيار القاضي في الكفر بهذه السهولة؟ مرة عطار والمرة الأخرى تاجر قماش دون وجود أسباب حقيقية لاختيار القاضي الجديد، حتى من باب الثقة. كل هذه تفاصيل كان يجب توضيحها لأنها تضيف إلى قوة البناء ككل.

7- على الرغم من الإنتاج الكبير الواضح في الملابس والديكورات، إلا أن الثغرات الموجودة في هذه التفاصيل كثيرة ولا يمكن تجاوزها. يمكن مشاهدة الكثير من السوارات حديثة الشكل. العربات التي تجرها الخيول، تُفتح بمقبض لا يستخدم إلا في العصر الحديث، الأحذية بعضها حديث التصميم. نحن لا نتحدث عن فقر إنتاجي يبرر هذه الأخطاء، بل العكس هو الموجود، وفرة في الإنتاج ومع هذا غاب الاهتمام بالتفاصيل.

8- يبدو للوهلة الأولى وجود اهتمام بالمكياج فيما يخص لقطات الرعب، لكن كان هناك ضعف واضح في مكياج بقية الشخصيات، الشوارب واللحى -كعادة معظم الأعمال المصرية- ضعيفة التنفيذ، وإن كانت أفضل من الشعر المستعار، الذي كان غير مناسب لمعظم الشخصيات بشكل غريب، يمكن النظر لشخصيات ريحانة وكريمة وروايح لمشاهدة كيف يبدو تركيب الشعر غير منطقي.

9- الخدع البصرية التي تم تنفيذها في مشاهد الرعب خرجت بشكل جيد وإن كانت عليها ملاحظات أخرى إخراجيًا سنذكرها لاحقًا.

10- يفوّت المخرج أحمد جلال الفرصة لأن يقدم لمساته الشخصية في نوعية يندر تقديمها وهي الرعب، يفوّت الفرصة لأن كل المشاهد المرعبة التي قدمها تقريبًا ذات أصول أمريكية، أشهرها بالطبع مشهد هند وهي تطير فوق سريرها الذي يمكن مشاهدة مثله في العديد من الأعمال أشهرها “The Exorcist”، كذلك مشاهد استدعاء الروح مع الساحرة أرواح، هو مشهد ذو طقوس تخص ساحرات العصور الوسطى، رأس الحيوان الميت، وتشابك الأيدي، وهذه كذلك تفاصيل شاهدناها في أعمال أجنبية، ومن الصعب أن تكون أرواح سافرت مع فريقها إلى أرواح.

11- لم تكن الموسيقى لعمرو إسماعيل بحال أفضل، سواء التترات أو الموسيقى التصويرية، تحتوي على أصوات (Vocals) يعرفها أي مشاهد لأفلام الرعب الأمريكية، بالإضافة لألفاظ ذات وقع لاتيني، مرة أخرى تغيب المحاولة لصنع إيقاع مرعب مصري.

12- العصر الذي تدور فيه الأحداث يمثل تحدٍ لأي مدير تصوير، لا توجد مصادر الإضاءة التقليدية بالإضافة إلى أن مشاهد الرعب تحتاج إلى المشاهد الليلية التي تحتاج بدورها إلى إضاءة خاصة.

13- هيثم حسني هو مدير التصوير، بالرغم من اعتماده على الكثير من الشموع والمصابيح الزيتية، إلا أن مشاهد التصوير الخارجي الليلية كانت نقاط ضعف واضحة. نجد أن الطبيب لا يتحرك دون مصباح، ونشاهد الظلام حوله، لكن عندما تتحرك الشخصيات الأخرى في المكان نفسه نجد الإضاءة تحولت لتصبح مستمدة من القمر، فلماذا لا ينير القمر للطبيب، والسؤال الثاني، هل من المنطقي أن تكون جميع الليالي مقمرة بهذا الشكل؟

14- ملاحظة أخرى على الإضاءة، هي تباين توزيع الإضاءة في مكان واحد، يمكن الرجوع لمشهد توفيق الترزي وزوجته عند البحيرة، إذ يستخدمون المشاعل للإضاءة وحولهم الظلام الدامس على الشط، لكن عندما يخطو الترزي إلى البحيرة نجد إضاءة القمر هي المستخدمة مرة أخرى.

15- مشكلة معظم مسلسلات رمضان هي الـ 30 حلقة، ما يدفع المسلسلات للمط في الأحداث، أو إدخال الكثير من الخطوط الفرعية، لكن كفر دلهاب إلى حيلة أخرى، وهي استخدام لقطات الفلاش باك عدة مرات. مشهد اغتصاب ريحانة ظهر حوالي 4 مرات. مشهد هرب سعد وهو طفل تكرر أكثر من مرة أيضًا. المونتاج لمحسن عبد الوهاب.

16- بينما بذل المخرج أحمد جلال مجهودًا جيدًا في مشاهد الرعب، إلا أنه كان يحتاج لمجهود أكبر فيما يتعلق بحركة المجاميع والممثلين عمومًا.

17- المجاميع كانت حركتهم ميكانيكية أكثر من اللازم، بعضهم ينظر للكاميرا، كان يجب الاهتمام على الأقل بالمجاميع الذين يقفون في الصفوف الأولى.

18- كما هي العادة لم ينجح يوسف الشريف في إظهار أي انفعالات مختلفة تليق بالدور الذي يقدمه، انفعالاته وردود أفعاله وطريقة نقطه للكلام واحدة طوال المسلسل أيًا كان المشهد.

19- لكن لم يكن يوسف الشريف هو الوحيد الذي لم يقدم أداءً جيدًا في المسلسل، في الواقع يمكن ذكر الأداء الجيد في المسلسل لأنه قليل جدًا.

20- محمد خميس (عَجَبَهْ لص القبور) قدم أفضل أداء داخل العمل، مشاهد قليلة لكنه استغلها بشكل جيد ونجح في التفاعل مع كل المشاهد بالشكل المطلوب وجعل من دوره الصغير أكثر دورٍ لافتٍ في المسلسل، وهو أمر ليس بجديد على محمد خميس.

21- على الرغم من أن الدور ليس جديدًا عليه، إلا أن هادي الجيار في دور أبو العز شيخ الغفر قدم أداءً طيبًا يليق بالشخصية الشريرة اللئيمة التي يقدمها.

22- بعيدًا عن الاسمين السابقين لا أداء ملفت من طاقم التمثيل، بعضهم قدم المطلوب منه دون زيادة أو نقصان والبعض الآخر قدم أقل من المطلوب.

23- لا يمكن تجاوز شخصية طلبة التي قدمها الموهوب محمود حجازي. الشكل المكتوبة به هذه الشخصية هو الشكل الكلاسيكي لصديق البطل، فهي الشخصية التي تستمر في أخذ مساحة من الأحداث لكن تأثيرها يعتمد على إدخال الكوميديا فقط، ولا يظهر التأثير الحقيقي إلا في نهاية الأحداث، نسبة ظهور الشخصية لنسبة تأثيرها لا تكاد تُذكر.

24- بجانب هذا قدم محمود حجازي أداء كلاسيكيًا، لازمة كلامية ”يا طبيب“، وتعبيرات الوجه التي تظهر السذاجة في كل مرة، ثم الانقلاب المفاجئ قرب النهاية بسبب قصة حبه. في النهاية يصعب أن تبقى هذه الشخصية لفترة طويلة بعد انتهاء المسلسل في ذاكرة المشاهد كما هي شخصيات ثانوية أخرى.

25- ”كفر دلهاب“ مسلسل ممتع إذا نظرنا فقط إلى جانب التشويق والسيناريو، لكن إذا عرفنا السر الذي يخبئه المسلسل، وفقد العمل ميزة التشويق، هل يمكن إعادة مشاهدته مرة أخرى؟

مشهد الحلقة السابقة:
نموذج على تباين توزيع الإضاءة من الحلقة التاسعة.
مشهد توفيق الترزي وزوجته عند البحيرة، إذ يستخدمون المشاعل للإضاءة وحولهم الظلام الدامس على الشاطئ، يتأكد وجود الظلام حولهم عند خروج الترزي من دائرة المشعل فيغطيه الظلام.
لكن عندما يخطو الترزي إلى البحيرة نجد إضاءة ضبابية غريبة هي المستخدمة مرة أخرى، إضاءة غير واضحة المصدر وتحيط بالقارب.
عند القارب نجد وجه الترزي مضاءً بوضوح، لاحقًا يختفي القارب، تبقى الإضاءة الضبابية لكن يدخل الترزي في دائرة الظلام لسبب غير واضح.