في ظل كل هذا الإلحاح الشديد من إعلانات رمضان التي تحثك على التبرع لصالح المؤسسات الخيرية المختلفة، يجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد وقبل وقفة العيد ونقسم المهام فيما بينا ، فمثلا أحدنا يكفل طفل يتيم، والآخر يكفل قرية فقيرة وانا هكفل الباب ده وهاجي وراكوا.
وفي السابق كان الشحاذ يطلب منك حاجة لله، ولكن الآن يحدد لك المبلغ، وهذا ليس من باب الطمع ولكن من باب العلم بالشيء، وفي مرة قال لي طفل شحاذ “هات جنيه” فقولت له “والله ما معايا فكة”، فقال لي “ليه؟”، وفي الحقيقة صمت ولم أجد رد مناسب على سؤال الطفل عن سبب عدم وجود الفكة معي، يمكن لأني ساعتها ربط الموضوع بخطاب سياسي ما، الله اعلم .
وأنت كمصري يجب عليك أن تمر في يومك العادي بعدة خطوات تبدأها بإعلانات التبرع لصالح مستشفيات الأمراض المختلفة في التلفزيون والتي تبث كل عدة دقائق، ثم تتبرع للسايس الذي أخذ قطعة من الشارع وأقام عليها جراجه الخاص، ثم تذهب إلى محطة البنزين فتجد من تبرع من نفسه أن يمسح لك زجاج السيارة الممسوح أصلا ، ثم يطلب منك أن تتبرع له بجزء من مالك كمكافئة له عن مبادرته الخدمية العظيمة لك، ثم تقف في إشارة المرور فيأتي لك طفل يبيع مناديل ورقية ويطلب منك أن تتبرع له بمبلغ من مالك مقابل أنه يبيع لك هذا المنتج النادر جدا في هذه المنطقة النائية خالص من وسط البلد مثلا.
وان لم يكن لديك سيارة أو بعتها بسببهم، فعليك أن تطلع في المترو على بعض الإشاعات والتحاليل لابن السيدة التي تشحذ في عربة المترو، ثم تشخص لنفسك حالة المريض وتقدر مبلغ العلاج وتشارك فيه.
وإن تركت منزلك وعملك وذهبت للجلوس على القهوة في المساء، فعليك أن تطلع وتتمعن النظر على بعض الاعضاء المبتورة والمشوهة لبعض الشحاذين الذين يمرون على المقاهى ثم تتبرع لهم.
ولكن في نهاية اليوم ينتهي كل ذلك وينقطع سيل طلبات التبرعات عندما تعود إلى منزلك فتأخذ منك زوجتك كل مالك وتتبرع لك هي بمصروف تنفقه أنت غدًا كتبرعات في رحلتك الجديدة من التلفاز للمقهى.