(1)
كانت ورش الكتابة هي الصيحة التي اشتهرت في مصر بعد نجاح مسلسلات الست كوم.. ثم انتشرت البرامج الكوميدية التي تعتمد على الاسكتشات.. ظهر الاتجاه في القنوات لانتصار الضحك على الكآبة، وحاول البعض تسطيح الأمور فيما حاول آخرون استغلال السبوبة بقدر الإمكان، بينما ظهر جيل مختلف تماما يميل إلى التهييس، ويستفيد من عبارة قديمة لسمير غانم حين رد على من سألوه: هل أنت من أنصار الضحك للضحك أم الضحك للرسالة فكانت إجابته: “طب ماهو الضحك للضحك رسالة”..
في هذه الأثناء ظهر أكرم حسني..
(2)
كان محمد كوينة مخرجا بقطاع النيل للقنوات المتخصصة، وكان يشارك في إنتاج برنامج كوميدي يقوم على الإسكتشات وأبطاله شباب موهوب، منهم منى هلا و خالد عليش ومحمد علي الدين وأضخمهم جثة وأقلهم شهرة آنذاك (أكرم حسني)..
ظهر أكرم ساخرا من برامج الطبيب الواحد وبدا أنه يسخر من طبيب الأطفال الشهير وقتها ببرامجه محمد رفعت ليرد د.أكرم على رسالة من أم تشتكي من ظهور شعر في صدر طفلها الذي لم يتجاوز السنتين فكان الرد: بطلي تسمعيه أغاني تامر حسني.
(3)
أكرم حسني ضابط شرطة سابق كان يعمل في قطاع الأمن المركزي.. زملكاوي ومن عائلة رياضية ويقرر فجأة ترك الشرطة ليقف على ناصية حلمه.. ويقاتل. تخيل ضابط شرطة يترك كل شيء ليصير مذيعا ويحب التمثيل ويقرر أن يذهب إليه من بداية الطريق بمنتهى الإصرار. تخيل لحظة اتخاذ القرار واستهجان المحيطين به. تخيل رهن دخله بعمل غير مأمون. تخيل دخوله من بوابة المذيع في إذاعة جديدة هي نجوم إف إم، ثم أخبرني: هل تفعل مثله لو كنت مكانه؟؟
(4)
يجد أكرم ضالته في كوميديا الكاراكتر. سيد أبو حفيظة الذي لفت نظر كثير من مشاهديه وهو يقدم نشرة أخبار ساخرة تنجح وتحقق مشاهدة تجعل المنتج يتجه لإنتاج برنامج لأبو حفيظة وحده. ينجح البرنامج مع بدايات موجة كوميدي.. يقدم منه أكثر من موسم حتى يراهن عليه أسامة الشيخ في الفترة التي تولى فيها مقاليد الأمور في آخر عصور مشاهدة ماسبيرو.. يتألق أكرم. عفوا.. يتألق أبو حفيظة ويتراجع أكرم.. يقبل بالصفقة في سبيل استمتاع غير طبيعي يشعر به وهو يقوم بتجسيد الشخصية.. ثم…. ثم تقوم الثورة!!
(5)
في محاولة للخروج من جلباب أبو حفيظة، يقدم أكرم حسني شخصية وسيم هدهد. تنجح لكن ليس بنفس درجة نجاح أبو حفيظة وبالتالي لا يعدها الناس نجاحا ولا يتشجع المنتجون لتكرار التجربة. يقف أكرم مرتبكا.. يقرر أن يكمل بالمحلل الشهير بأبو حفيظة. الضرورات تبيح أبو حفيظة الذي كان يفكر أكرم في أن يجعله من المحظورات لينتقل للخطوة التالية، وفي ذهنه حتما تجارب مرعبة لشخصيات قضت على فنانين فأصابتهم بلعنة الارتباك تارة والغرور في أحيان أخرى، لكن الميزة أن أكرم يدرك ذلك فماذا سيفعل؟؟ .. سيواصل القتال من أجل حلمه الخاص بالتمثيل لكن على طريقته.
(6)
يؤمن أكرم بالقدر. يتفاءل ويتشاءم. يرى أن العين قد تصيبه لاسيما وهم يستضيفونه في دبي ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي في العام 2013. يجلس أكرم على منصة تضمه مع نجوم أبرزهم باسم يوسف. يتحدث بثقة لكنه يبدو خافتا أمام نجومية باسم الذي كان في منتصف طريق النجومية ومع ذلك كان حضوره طاغيا. يبتعد أكرم عن الكلام في السياسة ويختار طواعية التلميح لا التصريح مفضلا احترام التابوهات المقدسة الدين والجنس والسياسة، اللهم إلا من بعض الإفيهات التي يقرر إطلاق سراحها لأنها حكمت. في دبي لم يكن أكرم معروفا.. كان أبو حفيظة أشهر منه والناس في انتظاره لكنهم وجدوا أكرم الذي لم يكن في أفضل حالاته لأن ابنته الكبرى (ربا) مرضت بشدة ليلة الندوة وظلت علاقته بدبي هي نفس علاقته بالكمادات واتصالات الأطباء في تلك الليلة.. يخرج أكرم مقررا أن تكون المرحلة القادمة هي آخر مراحل أبو حفيظة، وسيفعل فيها كل ما حلم به قبل أن يتركها مؤقتا على الاقل.
يجلس أكرم في بيته منتظرا فرصة.. إشارة.. حلم جديد. يظهر في إعلان أو اثنين.. ثم يقرر قبول الدعوة للظهور في برنامج مع خيري رمضان بشخصية أبو حفيظة.. يقرر ذلك بعد أن جمع فريق عمل وورشة كتابة متجانسة تفكر دائما خارج مناطق الكوميديا المعتادة وتستخدم الأسلوب السهل الممتنع. يظهر أكرم.. بعد الحلقة الناجحة يجد اتصالا وعرضا قويا من قناة ام بي سي مصر فيقبله على الفور..
ويظهر أكرم أبو حفيظة في مرحلة التفكير في بديل لباسم يوسف، ليقرر أكرم وفريقه أن يكونوا أي شخص عدا باسم يوسف. صحيح أنهم يستفيدون من فورمات باسم. يقلدونه أحيانا في الأغنيات.. لكن أكرم الممثل يبدأ في الظهور إلى جانب شخصية أبو حفيظة.. يسخر من الأفلام والمسلسلات الشهيرة، يترك السياسة لباسم ويبحث عن أسطورته الذاتية. ثم يتم ايقاف باسم واغتيال برنامجه ليصبح البديل الرسمي هو أبو حفيظة. مغردا وحيدا منفردا، وموهوبا مخلصا لعمله مع فريق وجد الفرصة سانحة.. مرحبا أكرم حسني.. تستطيع الآن أن تتنفس.
(7)
فورمات أبو حفيظة الأخيرة أتاحت لأكرم وفريقه مساحات تمثيل وكوميديا وكتابة.. تامر فرج وعمرو وهبة من هذا الفريق وكلاهما حقق نجاحا حين قرر أن يبحث هو الآخر عن نفسه. أما أكرم فبدأ في الظهور ثم التميز في دور السنيد اللطيف.. ثم السطوع في البطل المشارك ليقدم دور بهجت في “ريح المدام” من كتابة تامر إبراهيم وولاء الشريف لكن هذه البصمة هي بصمة أكرم نفسه. سلاسة في الأداء وكوميديا مختلفة وفقدان ذاكرة كامل لأبو حفيظة.
هل كان أكرم يضمن أي نجاح لافت في موسم رمضاني بدا شرسا؟؟ الله أعلم.. لكنه يضمن أنه لا يشبه أحدا، ولذلك نجح..