أحد أفضل المسلسلات التي شاهدتها في الفترة الأخيرة.. نجح في أن يجذبني خلال شهر رمضان وأن يجعلني أتابعه بشغف وألا تفوتني حلقة واحدة منه! (ما لم أستطع مشاهدته في موعد عرضه كنت أراه في الإعادة).. في رأيي يمثل هذا المسلسل نقلة نوعية في مستوى الدراما اللبنانية، وذلك من حيث حبكة السيناريو للكاتبة “كلوديا مرشليان” والتي استطاعت أن تمسك بجميع الخيوط ما بين الأحداث والشخصيات ببراعة فائقة من الحلقة الأولى إلى الحلقة الأخيرة! ورغم تشعب الأحداث إلا أن الخط الأساسي كان واضحاً.
الإخراج بسيطاً وسلسلاً بلا فذلكة مصطنعة ومبالغات تضعف العمل، مما أظهر فهم المخرج “سمير حبشي” العميق للنص والعمل على نقله للمشاهد بطريقة تجعله يشعر بأنه جزء من الأحداث!
أما الأداء، فبكل تواضع أرفع القبعة للممثلة الشابة “ستيفاني عطاالله” والتي قامت بدور “روان” الفتاة الطموح ذات السبعة عشر ربيعاً والتي كانت تحلم أن تكون طبيبة مشهورة بعد أن تم قبولها للالتحاق بكلية الطب بتفوق، إلا أن حياتها قد تغيرت وانقلبت رأساً على عقب بعد حادث إختطاف وإغتصاب وحشي من قبل شابين، “سامر” البلطجي المبتز والذي قام بدوره الممثل “جاد أبو علي”، و”رُويّ” الفتى الغني المضطرب نفسياً والذي كان بنفس عمر “روان” (١٧ سنة) الذي قام بدوره الممثل “حسن عقيل”.
نرى من خلال شخصية “روان” مدى الأذى النفسي والجسدي الذي تتعرض له الفتاة بعد حادث إغتصاب والذي يتضاعف عندما تجد أن لا أحد في عائلتها قد ساندها خاصةً الأب والذي قام بدوره الفنان “أسعد رشدان” الذي رفض تماماً إبلاغ الشرطة عن الحادث، بل وعمل على طمر الموضوع بأكمله تحت شعار الخوف من الفضيحة وعدم القدرة على مواجهة المجتمع!
تطور شخصية “روان” الفتاة المُغتصبة خلال الأحداث، والتي تأرجحت ما بين الغضب والخوف والكراهية أحياناً، والضعف والحزن والاستسلام أحياناً أخرى، وهي أحاسيس طغت عليها في البداية إلى أنها نجحت في النهاية في التغلب عليها والعودة إلى طبيعتها الأولى الإنسانية الهادئة الشفافة وذلك بعد أن وجدت المساندة العائلية والإجتماعية والقانونية.
“جوري” الأخت الكبرى ل”روان” والتي قامت بدورها الفنانة “نادين الراسي” عملت على الوقوف بجانب أختها الصغرى طوال الوقت برغم تأرجح مشاعرها ما بين الحب والبغض تجاه “مالك” الذي قام بدوره الفنان “عمار شلق” والذي هو على صلة وطيدة وتعاطف دائم بعائلة المغتصب.
“ميرنا”، أم الشاب المراهق المغتصب “رُويّ” والتي أدت دورها الفنانة “رولا حمادة”، وقد كانت رائعة حقاً! “ميرنا” هي تجسيد للشر المطلق المتخفي وراء قناع من المثالية والإستضعاف، والتي استخدمت جميع الوسائل الغير قانونية لتبرئة ابنها ونفسها حيث ارتكبت أفظع الجرائم من قتل ورشوة وتهديد وإلقاء التهم على الغير بإستخدام المال الوفير.
علي العكس من شرّ “ميرنا”، نجد الخير والإنسانية مجسداً في شخصية”برهوم” والذي قام بدوره الفنان “جابريل يمين”، وهو السجين السابق المفرج عنه بعد ١٨ عاماً أمضاها في السجن بسبب جريمة قتل دفاعاً عن عائلته، والتي أنكرته بعد أن سُجن.
ف”ميرنا” هي الشخصية السلبية التي تدّعى الفضيلة على عكس “بَرهوم” الشخصية الإيجابية المتوازنة والذي كان فاضلاً بحق حينما وقف بجانب “روان” في وقت لم تجد فيه من يساندها رغم مشاكله الشخصية وظروفه الصعبة.
برع المسلسل والكاتبة في الربط بين التناقضات الشديدة ما بين الأحداث وبعضها والشخصيات وبعضها.
من النقاط المضيئة في هذا العمل الدرامي، والتي لا يمكن إغفالها، البراعة في اختيار الفنانين المناسبين تماماً للشخصيات، كما أماكن التصوير والتي عكست بدقة أحوال الشخصية الإجتماعية والمادية مما جعلني كمشاهد أزداد اقتناعا وأشعر بالتناسق والصدقية بين كل مكونات حياتهم.
بإختصار هذا المسلسل به جمال وإتقان وهو رسالة وصرخة في وجه المجتمع الذي يحاكِم من ظُلم دون أن ينظر للحدث كجريمة بشعة ضد الإنسان والأنثى بشكلٍ خاص.
* * *
ومابين حدث صادم في بداية المسلسل وحدث صادم في نهاية المسلسل نستطيع القول أن هناك عمل درامي رائع استطاع أن يشد المشاهد المتابع طوال شهر كامل وسط منافسات رمضانية شديدة.
فتهنئة من القلب ومن العقل لكل من أهدانا متعة حقيقية غير متوقعة أثْرَت الروح والوجدان.. شكراً “ورد جوري”.